تجري تحضيرات لعقد مؤتمرين حول القضية السورية خلال الشهر القادم (أبريل 2015) أحدهما في موسكو والثاني في القاهرة، وكان مفترضاً أن يعقد مؤتمر القاهرة قبل لقاء موسكو كي يحمل المشاركون فيه رؤية المؤتمر الوطني. وربما يكون موعد لقاء موسكو محل نقاش، ولكن الروس كما يبدو يريدون أن ينجزوا شيئاً مع أن اللقاء السابق الذي تم في موسكو أواخر يناير الماضي لم يقدم أية خطوة عملية ولم يكن التمثيل فيه من الوفدين يحمل جدية تكافئ حجم القضية. ولكن بعض أطياف المعارضة رأت فيه بداية تحول إيجابي في موقف روسيا التي اتخذت من البداية موقفاً معادياً للشعب السوري، فقد قتل مئات الآلاف من السوريين بأسلحة روسية كما دمرت سوريا بصواريخ روسية، فضلاً عن استخدام روسيا «الفيتو» ضد أي قرار أممي يجد حلاً للقضية. وقد حاولت المعارضة أن تحدث تقارباً مع روسيا عدة مرات، لكن الموقف الروسي كان جليدياً، وذات يوم قال لافروف إن روسيا لن تسمح لأهل السُّنة أن يصلوا إلى الحكم، وترك هذا التصريح انطباعاً سيئاً لدى الغالبية العظمى من السوريين الذين أعلنوا بإصرار من أول مظاهرة قاموا بها أن الشعب السوري واحد، وأن المواطنة هي التي أساس العقد الاجتماعي، ولولا أن «حزب الله» وإيران دخلوا إلى سوريا لمحاربة الشعب المنتفض وهم يحملون رايات مذهبية وشعارات تاريخية ثأرية لما ظهر التطرف السني الذي رفضته غالبية الشعب. ومع أنني لا أرى أملاً جاداً في عقد مزيد من اللقاءات التشاورية في موسكو، إلا أنني أرجو أن يعيد الروس تقويم موقفهم، وأن يدركوا أن العلاقات الاستراتيجية المتينة تبنى مع الشعوب وليس مع الأنظمة السياسية. وإذا كان من حقهم أن يبحثوا عن مصالحهم فإن من بوسعه أن يوفر هذه المصالح هو الشعب بإرادته وليس رغماً عنه. وأما مؤتمر القاهرة فقد حقق في جولته التشاورية الأولى في يناير 2015 رؤية اتفقت عليها قوى المعارضة وحددتها في عشر نقاط، مستمدة من بيان جنيف، وكان مهماً أن ينعقد المؤتمر في البيت العربي، دون أن يعني ذلك إنقاصاً من شأن البيوت الصديقة التي استقبلت السوريين ولا تزال ترحب بهم. وفي لقائنا الأول في القاهرة لم يتدخل أشقاؤنا المصريون في شيء من مجريات الحوار، ولكننا رجوناهم التدخل فلابد من أن تكون لمصر رؤية في الحل. وعلى مدى التاريخ كانت القضايا السورية والمصرية قضية متكاملة، وقد بدت وزارة الخارجية المصرية بثقلها النوعي حريصة على لمّ شمل السوريين، ونرجو أن ينفتح الأفق في المؤتمر القادم لاستيعاب كل القوى السياسية السورية الفاعلة، وأن تتمكن اللجنة التحضيرية من تحقيق تمثيل لائق ومتوازن يوسع دائرة الحوار، وينهي حالة التشتت التي عطلت مسار القضية السورية. ولم يكن هذا التشتت نتاج إخفاق أو فشل داخل المعارضة بمقدار ما جاء انعكاساً للخلافات الإقليمية والدولية التي شكلت تجاذبات مستجدة لم يستطع السوريون تجنبها. وهي إلى اليوم تشكل امتحاناً صعباً أمام مؤتمر القاهرة الذي نتفاءل بأن يتجاوز الحساسيات السياسية لمصلحة إنجاز تقدم ولو بخطوة على طريق توحيد الرؤية نحو حل سياسي يتم تقديمه للمجتمع الدولي الذي فقد حرارة اهتمامه بمعاناة السوريين، وباتت قضية محاربة الإرهاب همه الأول والوحيد، متجاهلاً كون الإرهاب ينمو في بيئة الفوضى التي جسدها الصراع الأساسي الذي تم إهماله فدفع الشعب السوري ثمناً باهظاً من دمائه ومن عمرانه وذاق من العذاب ما يفوق قدرة البشر على التحمل. ولئن بدت أطراف غربية غير مستعجلة على إيجاد حل دولي للقضية السورية، ومرتاحة لرؤية المزيد من الدم السوري، ولتنامي النفوذ الإيراني في المنطقة لحد مباهاة بعض قادة إيران بأنهم ضموا إلى مشروعهم التوسعي ثلاث عواصم عربية مهمة يسيطرون عليها الآن، هي بغداد ودمشق وصنعاء، فإن على العرب أن يسارعوا إلى إيجاد مشروع عربي يواجه هذا التوسع الذي يهدد الأمن والسلام في المنطقة، حيث لابد من محاورة إيران وعقلنة مشروعها، وكبح جماحها، ولذلك نرجو أن يحظى مؤتمر القاهرة القادم باهتمام عربي ودولي، وأن يشارك فيه أصدقاء سوريا وبخاصة الدول العربية الداعمة للشعب السوري، ونتمنى أن نجد مسارات جدية بين لقاءات موسكو ومؤتمر القاهرة ترتقي فوق الحساسيات، فالمعاناة السورية تدخل عامها الخامس دون أن يظهر إلى اليوم أي بصيص أمل في آخر النفق المظلم.