تعيش الساحة الأميركية حالياً على وقع نقاش حاد وجدال متواصل حول البرنامج النووي الإيراني، فأي اتفاق إطار بين إيران ومجموعة الدول الخمس زائد واحد لن يرى النور قبل 24 مارس الجاري، هذا إذا نجحت المفاوضات السياسية الجارية حالياً بين وزيري خارجية البلدين المعنيين، فيما ستُعرف التفاصيل على نحو أدق في الاتفاق النهائي المقرر في 30 يونيو المقبل، هذا الأمر حرص وزير الخارجية، جون كيري، على تأكيده في برنامج تليفزيوني قائلا «لا شيء تم الاتفاق عليه حتى يتم فعلا الاتفاق على كل شيء، وعلينا الانتهاء من المسلسل التفاوضي أولا قبل الوصول إلى نتيجة»، غير أن المشكلة تكمن في نفاد صبر المنتقدين الذين لا يبدو أنهم على استعداد لانتظار تبلور تفاصيل الاتفاق النووي مع إيران، فقد وصف «ميتش ماكونيل»، زعيم الأغلبية «الجمهورية» في مجلس الشيوخ، الجهود التي تقوم بها الإدارة بأنها «ستؤدي إلى اتفاق سيئ للغاية» وأضاف «ماكونيل»، الذي كان يتحدث في برنامج على محطة «سي إن إن» أن فكرة احتفاظ إيران «ببنيتها التحتية في المجال النووي»، كما وصفها، يعد أمراً غير مقبول. وفي تعليق آخر من سيناتور «جمهوري» هو «توم كوتون» لمحطة تليفزيونية قال، محدداً معايير الاتفاق النووي الجيد في «نزع تام للسلاح النووي من إيران، عليهم فقط التخلي الكلي عن البرنامج والسماح بتفتيش دقيق»، وهو كلام يذكرنا بموقف إدارة بوش قبل أكثر من عقد، حيث كانت تصر على وقف إيران لعملية التخصيب، لكن رغم هذه المطالب ورغم العقوبات المفروضة على إيران واصل النظام بثبات تطوير برنامجه النووي وتوسيع نطاقه، ولم يوقف هذا التوسع إلا بعد الاتفاق المؤقت الذي وقع في جنيف بتاريخ 24 نوفمبر 2013، حيث جمدت إيران فعلا عناصر من برنامجها النووي والتزمت بما تعهدت به في الاتفاق الموقع بينها وبين الولايات المتحدة وباقي أطراف المجموعة الدولية، كما أن الاتفاق وإن لم يفضِ إلى تسوية نهائية، إلا أنه مدد لستة أشهر إضافية إفساحاً في المجال لمزيد من التفاوض حول النقاط العالقة، والأهم من ذلك أنه لا أحد يعتقد أنه من الواقعي الإصرار على تخلي إيران عن تخصيب اليورانيوم حتى لأغراض سلمية، ومع ذلك يبدو أن «الجمهوريين» في الكونجرس لم يفقدوا الأمل، حيث وجهوا قبل أسبوع رسالة إلى إيران وقع عليها 46 من نواب مجلس الشيوخ «الجمهوريين» تقول إن أي اتفاق يتم التوصل إليه مع البيت الأبيض قد يلغيه الكونجرس بجرة قلم، وأن الدستور الأميركي يعطي الحق للكونجرس لتعديل بنود الاتفاقيات، هذا ناهيك عن إمكانية مجيء رئيس جديد بعد عامين يلغي مضمونه ويسقطه. ومن بين الأصوات التي دافعت عن الرسالة كان السيناتور الشاب «توم كوتون» الذي لم يتجاوز عمره 37 سنة، مستنداً إلى حجج واهية، فهو قال على سبيل المثال إن أوباما نفسه أبطل أمراً رئاسياً سابقاً للرئيس بوش متمثلا في التفاهم الذي توصل إليه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في 2004 أرييل شارون لأن التفاهم حسب السيناتور لم يصادق عليه الكونجرس، والحال أنه لم يكن هناك قط اتفاق رسمي بين الرئيسيين، بل فقط تبادل للرسائل وافق فيها بوش على تغييرات طفيفة على خط الحدود مع الدولة الفلسطينية، لكنه في المقابل طالب بوقف الاستيطان في الضفة الغربية، كما جاء هذا التفاهم في إطار خطة فك إسرائيل لارتباطها من قطاع غزة، وعندما جاء الرئيس أوباما إلى البيت الأبيض قرر في ظل استمرار الاستيطان، وأيضاً في ظل مساعيه لإطلاق مفاوضات جديدة بين طرفي الصراع، أن يلغي ما ورد في الرسائل التي، في جميع الأحوال، لا ترقى إلى مرتبة الاتفاق الرسمي، بل الأكثر من ذلك أن الكونجرس نفسه وإن كان قد أصدر قراراً يمرر ما جاء في الرسائل من تعهدات، إلا أن مجلس الشيوخ المخول بالمصادقة النهائية على الاتفاقات لم يفعل ذلك قط. وفيما يسعى السيناتور «كوتون» إلى إسقاط نموذج الرسائل التي ألغاها أوباما على الاتفاق النووي الإيراني، وبالتحذير من احتمال التوقيع عليه دون الرجوع للكونجرس، إلا أن الحقيقة تبقى غير ذلك، فالمفاوضات الجارية مع النظام الإيراني ليست حكراً على أميركا بل تشارك فيها الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا، هذا ناهيك عن هيئات دولية معتبرة مثل الأمم المتحدة ووكالة الطاقة الذرية، ما يعطي أي اتفاق مصداقية أكبر تتجاوز شكوك «الجمهوريين»، ومحاولاتهم التعطيلية. والتر بينكوس كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»