رغم صعوبة الاعتراف بالأمر تطرح إيران بالفعل تحديات تفوق بكثير الاتفاق النووي الذي يجري التفاوض بشأنه حالياً مع النظام ضداً عن معارضة الكونجرس، ولئن كانت الأسلحة النووية مخيفة وتنطوي على أهمية قصوى، إلا أنه على المدى البعيد تمثل الاعتبارات الجيوسياسية تحديات أكبر، هذا الأمر تدل عليه التصريحات الأخيرة لمستشار الرئيس الإيراني، علي يونسي، التي قال فيها: «إن إيران تعود مرة أخرى لتصبح إمبراطورية، وعاصمتها هي بغداد»، ولكم أن تتخيلوا التأثير المدوي للتصريح الصادم، فهل نحن إزاء مجرد خطاب أجوف موجه أساساً للاستهلاك الداخلي؟ الحقيقة أن المؤشرات تدفعنا إلى اعتقاد عكس ذلك، فقد كان العراق على مدى عقود طويلة حائط الصد الأول ضد التطلعات التوسعية لإيران، لكن هذا المعطى تداعى بعد قرارين أميركيين، الأول كان قرار بوش غزو العراق، والثاني قرار أوباما سحب القوات الأميركية، وهو ما يفسر إلى حد بعيد لماذا تم تهميش أميركا في عملية طرد «داعش» من تكريت، فالولايات المتحدة لم تكتفِ بعدم المشاركة في الحملة، بل أيضاً، حسب "نانسي يوسف" من موقع «ديلي بتتس»، لم تكن حتى على علم بحشد 30 ألف مقاتل شيعي لدخول المدنية. ولو أضفنا إلى كل ذلك تصريحات الجنرال قاسم سليماني الذي يقود مليشيات الحشد الشعبي في العراق خلال الشهر الماضي عندما قال «اليوم نرى مؤشرات الثورة الإسلامية يتم تصديرها إلى سائر المنطقة من البحرين إلى العراق ومن سوريا إلى اليمن وشمال أفريقيا» لاتضحت صورة التغلغل الإيراني أكثر ولأصبنا بمزيد من الدوار، إذ يبدو أن إيران لم تعد تهتم حتى بإخفاء تطلعاتها، هذا ناهيك عن أنها لا تواجه أي مقاومة، لا سيما وأن الولايات المتحدة التي كانت في السابق القوة المهيمنة الأولى في الإقليم تقتصر اليوم على دور المتفرج، وبالطبع يمثل هذا التطور نتيجة منطقية لخطأ بوش في غزو العراق دون تخطيط جيد، وأيضاً انسحاب أوباما دون التفكير في اليوم التالي، والمشكلة أن هذا الواقع الذي تعيشه المنطقة سبق أن نبه له العديد من الخبراء من أبرزهم "جورج فريدمان" مؤسسة شركة «ستراتفور» المتخصصة في التحليل الاستخباراتي، الذي أشار في كتابه «العقد القادم:الإمبراطورية والجمهورية في عالم متغير» إلى أن «ميزان القوى بين إيران والعراق ظل متساوياً حتى العام 2003 عندما دمرت أميركا الحكومة والجيش العراقيين، ومنذ ذلك الوقت ظلت الولايات المتحدة القوة التي تضبط إيران وتلجمها، لكن بعد إعلان واشنطن انسحابها من العراق وبالنظر إلى وضع الجيش العراقي تحولت إيران إلى القوة المهيمنة في الخليج». لكن ما مدى هذه الهيمنة الإيرانية في المنطقة؟ يجيب "فريدمان" أنها بما تكفي لجعل المفاوضات النووية الجارية حالياً غير ذات جدوى، موضحاً ذلك بقوله «مع تحييد العراق الذي انخرط سكانه الثلاثون مليون نسمة في قتال بعضهم البعض بدلا من لعب دور المقاوم لهيمنة إيران تجد هذه الأخيرة نفسها للمرة الأولى منذ قرون مديدة متحررة من أي جار قادر على تهديدها.. وحتى لو دُمر السلاح النووي الإيراني ستبقى الجمهورية الإسلامية القوة المسيطرة في الخليج». ستيفن كارتر أستاذ القانون بجامعة «يل» الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»