على مدار عام، منذ أن صوتت شبه جزيرة القرم في استفتاء «شكلي» على الانضمام إلى روسيا، تغير العالم: فقواعد ما بعد الحرب الباردة لم يعد يمكن تطبيقها، والعداءات القديمة التي ظلت مكبوتة على مدار ربع قرن من الزمان عادت إلى السطح. ويتضح هذا التحول من خلال الطريقة التي غيّر بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أسلوبه في رواية ضمه شبه الجزيرة منذ العام الماضي. ورغم أن خطاب بوتين أمام البرلمان في 18 مارس 2014، والذي أعلن خلاله رسمياً قبول روسيا انضمام القرم، كان ملكياً في نبرته، فقد اتسم بالمراوغة في محتواه. قال بوتين: «سأكون صريحاً، لو أن القوات المحلية المدافعة عن نفسها في شبه جزيرة القرم لم تستطع السيطرة على الوضع في الوقت المناسب، لكانت هناك خسائر فادحة، ويخبرنا البعض بوجود شكل من أشكال التدخل الروسي في القرم، ومن الغريب أن نسمع ذلك، فلا أتذكر حلقة واحدة في التاريخ حدث فيها تدخل من دون إطلاق رصاصة واحدة أو وقوع خسائر». وبالطبع لم تكن القوات الخاصة الروسية بأزياء مدنية، والتي سيطرت على مباني الحكومة والبرلمان في شبه جزيرة القرم، ثم المطار الرئيسي، وبعدها القواعد العسكرية الأوكرانية، «قوات محلية تدافع عن نفسها»، ولكن في ذلك الوقت كان بوتين لا يزال يهتم بالمظاهر. لكن ليلة الأحد الماضي، في فيلم مصور بثه التليفزيون الروسي الرسمي، بعنوان: «القرم والعودة إلى أحضان الوطن»، كشف بوتين عن رواية مختلفة: «إن حصار ونزع سلاح عشرين ألف شخص، يقتضي ترتيبات شخصية محددة، ليس فقط على الصعيد العددي، ولكن أيضاً من الناحية النوعية. ومن ثم احتجنا إلى متخصصين يعلمون كيفية فعل ذلك، لذا أصدرت أوامر إلى وزارة الدفاع لإرسال قوات خاصة، تحت غطاء تعزيز حماية قواعدنا العسكرية في القرم». وكشف الرئيس الروسي أيضاً أن الكرملين أجرى استطلاعاً سرياً في شبه الجزيرة لقياس مواقف السكان المحليين من الاتحاد مع روسيا، وبعد أن اطمأن إلى النتائج، أجرى «الاستفتاء». وقد قرأ بوتين الموقف الغربي باعتباره مزيجاً من الكراهية والخوف. فتخلى عن أية محاولة لنيل الحب، وعمل بدلا من ذلك على أن يكون مرهوب الجانب، كما أوضح أنه لو تحرك الغرب لعرقلة ضمه لشبه الجزيرة، فإنه كان مستعداً لوضع القوى النووية الروسية على أهبة الاستعداد، مضيفاً: «ولا أعتقد أن أحداً كانت لديه الرغبة في إشعال مثل هذا الصراع». ويعلم بوتين أنه لا أحد يفكر في إجباره على التخلي عن القرم. ويرى 14? فقط من الأوكرانيين أن دولتهم يمكنها استعادة شبه الجزيرة بالوسائل العسكرية، بينما يؤمن 13? بفاعلية العقوبات الغربية في هذا الأمر. ويؤكد 45? أنه لن يمكن استعادة القرم ما لم يتحسن الوضع الاقتصادي الأوكراني وتتدهور الأوضاع في روسيا. بيد أن ذلك لم يحدث حتى الآن، فأوكرانيا تعاني من كساد شديد، وخسرت جزءاً كبيراً من إمكاناتها الاقتصادية في الحرب الدائرة في شرقها، والمساعدات من صندوق النقد الدولي لا تكفي لإنعاش ملاءتها المالية. ولابد لها الآن من إقناع حملة السندات بالموافقة على شطب جزء من الديون. وفي داخل القرم نفسها، تبدو الأمور تحت السيطرة، فالسكان المحليون يرون أنهم سعداء بانضمامهم إلى روسيا، ولا يكترث بوتين كثيراً بما إذا كانوا سعداء طواعية أو قهراً. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»