إن صحت توقعات المراقبين بشأن توقيع كل من الولايات المتحدة الأميركية وإيران الاتفاق النووي في نهاية هذا الشهر، فإن ذلك يساعد على نمو فكرة تصدير «الثورة الإسلامية» التي أعلنتها إيران في عام 1979، بل الأكثر من ذلك ستعمل على عودة روح الإمبراطورية الفارسية، وبالتالي فإن مسألة التمدد السياسي الإيراني والتوغل في شؤون دول الجوار ستزداد، وبالنتيجة فهذا معناه أن «التبجح» السياسي الإيراني في الممارسات والتصريحات المستفزة، سيكون في تزايد وبشكل كبير. من الواضح أن هناك إصراراً أميركياً إيرانياً منذ عهد الرئيس الأميركي بوش الابن (ربما يكون هذا الإصرار قد اتضح بشكل أكبر في عهد الإدارة الحالية)، على الانتقال بالعلاقات بين البلدين من المقاطعة إلى الشراكة في التعامل مع قضايا الإقليم. حدث ذلك في الحرب ضد «طالبان»، وخلال غزو العراق، أما اليوم، فمن الواضح حجم الإعلان الأميركي لدور إيران في الحرب ضد «داعش»، مع أن الدور العربي في هذه الحرب أكثر نشاطاً وفاعلية، لكن هناك رغبة أميركية في إبراز الدور الإيراني. وسيعني ذلك مزيداً من القلق السياسي والأمني في المنطقة، باعتبار أن إيران ستزيد من حجم تدخلاتها السياسية، ولعل تصريح علي يونسي، مستشار الرئيس حسن روحاني، عندما قال مؤخراً إن «بغداد عاصمة الإمبراطورية الفارسية»، له دلالاته في تحولات العلاقة الإيرانية الأميركية. أكاد أجزم أنه من الصعب على العرب (وخاصة الخليجيين) إخفاء قلقهم ومخاوفهم الحقيقية، وعدم ارتياحهم لسير العلاقات الأميركية الإيرانية، مع أنه يقدم أحد التفسيرات لنظرية العلاقات الدولية، أي الواقعية السياسية القائلة بأنه لا صديق دائم ولا عدو دائم، ولكن هناك مصالح دائمة. في هذه الحالة ينبغي على العرب الالتفات إلى كيفية التعامل البيني بينهم أولاً، وبينهم وبين إيران وحتى مع الولايات المتحدة في مواجهة الترتيبات السياسية الإقليمية والدولية، كما أن هذا الأمر يدعونا إلي تقليب الأوجه المختلفة للتحركات الإيرانية، وكذلك التحركات الغربية عموماً وليس الأميركية فقط، والتي تدل كلها علي الرغبة في إنهاء القطيعة بين البلدين. ورغم أن زيارة جون كيري وزير الخارجية الأميركي للمنطقة، كانت لطمأنة الدول الخليجية للاتفاق المزمع توقيعه، إلا أن سلوكيات السياسيين الإيرانيين؛ خاصة قاسم سليماني في العراق وتصريحات يونسي، تؤكد بأن الطموحات الإيرانية الإقليمية لن تتغير، بل ستزداد ظهوراً وحدّةً، وبالتالي فإن وجود استراتيجية عربية، أو على الأقل خليجية، في مواجهة التمدد بات أمراً في غاية الأهمية، للحفاظ على ما تبقى من الدول العربية، بعدما أصبحت أربع دول عربية تدار من إيران. قد تكون أسباب ظهور إيران كلاعب في الشؤون العربية تتصل بسياسات بعض الأنظمة العربية، لكن أيضاً يتعذر تجاهل أن يكون للدور الدولي، خاصة الأميركي، أثر في تنامي النفوذ الإيراني. ويبقى أن نؤكد على أن توصل إيران إلى اتفاق مع مجموعة (5+1) والسماح لها بامتلاك القدرات النووية، ولو بعد عشر سنوات، يعني مزيداً من عدم الاستقرار في المنطقة. ظاهر كلام يونسي، ومعه مواقف الإدارة الأميركية، يشير إلى عدد من النقاط، أولاها أن الأحلام الإيرانية التاريخية بدأت تدغدغ السياسيين الإيرانيين، حتى ولو كان هؤلاء السياسيين من التيار الإصلاحي الذي يفترض منه التهدئة مع دول الجوار والتعامل وفق مبدأ التكافؤ السياسي. النقطة الثانية أن هناك تداخلا في قناعات بعض المراقبين والمحللين العرب والأجانب، فيما يتعلق بوجود فروقات بين الإصلاحيين أو المعتدلين وبين المحافظين، وبالتالي فأي اعتقاد غير أن السياسة الإيرانية هي نفسها وإن تغيرت الوجوه السياسية، إنما ينم عن عدم المعرفة الكافية بـ«الفكر السياسي الإيراني» الذي يقلل دائماً من مكانة العرب. ما نراه أن إيران استطاعت أن تحول بعض الدول العربية إلى ساحة عراك بين شعوبها، بل في أحيان أخرى شاركت في الصراع الداخلي مستخدمة نفوذها، كما هو الشأن في العراق وسوريا. تمنى العرب، خاصة الخليجيين، في أكثر من موقف، أن تكون إيران جاراً إسلامياً وجغرافياً يسعى للحفاظ على المصالح المشتركة ويدافع عنها من أجل الاستقرار الأمني لهذه المنطقة الحيوية في الاستراتيجية العالمية، كما سعوا لأن تغير من طموحاتها التاريخية التي تجلب المشاكل لشعوب المنطقة.. لكنها بقيبت مجرد «أمنيات» دون أي تغيير من قبل إيران. والخوف هو من أن ترتد القلاقل التي تفتعلها إيران إلى اضطرابات داخلها في أحد الأيام، وبالتالي يصعب عليها الخروج من مأزقها لأن تناثر الشرر قد يصيب من يتلاعب به، لاسيما أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي يساعد على ذلك.