قد تكون السنوات الأربع المنصرمة أخطر مرحلة تمر بالعالم كله، أو واحدةً من أخطر مراحل العالم إيّاه. فإن يلجأ عُباد القتل إلى استخدام أدوات القتل البدائية في إنهاء حياة طفل وامرأة ورجل، فإن هذا أمر اعتقد الكثيرون أنه صار ينتمي إلى العصر الحجري وانتهى؛ وأن يلجأ من يستبيح النساء إلى جزّ رؤوسهم، ورؤوس أطفالهن الذين في أحضانهن مع بقر بطونهن، إضافة إلى جزّ رؤوس الرجال وأبنائهم، وأن يلجأ أخيراً إلى إشعال النار في البيت المستخدم في القيام بتلك الخطوات، وبعد نهب ما فيه من مقتنيات ثمينة. هذا وذاك، وذلك يجسدون مراحل إنجاز الجريمة المأساة، التي اخترقت وتخترق سوريا بامتياز. ها هنا في ذلك كله، واجهت البشرية الراهنة كلها فصلاً من فصول التحول الكوني المتمثل في الانتقال من الوجود إلى العدم، هذا الانتقال الذي ظن البشر أنه انتهى وينتمي إلى عصور سحيقة من الهمجية البربرية فآكِلِ لحوم البشر، يعود ليدلل على أن التاريخ قد يعيد نفسه وإنْ بحيثيات أخرى، وكذلك على أنه قادر على إفناء أكوام من البشر. أما الوجه الآخر من ذلك، فيتمثل في أن العالم «الآخر»، الذي قدم نفسه بمثابة حامل التقدم وباني الحضارة الجديدة الحديثة، بما فيها من منظومات للحداثة وحقوق الإنسان ظهر، ويظهر الآن قبيحاً ملطخاً بالعار والجريمة، إذ في حضوره ظهرت «داعش»، وظهرت النظم الأمنية الكاسحة باستبداد الشرق الأوسط وغيره. لقد أسس ذلك الغرب عالم الاستغلال والإرهاب والحروب شبه الدائمة مع الإذلال والاستبداد، رغم ما انتجه تحت عنوان «حقوق الإنسان». ولكيلا نقع في النزعة المثالية المفرطة، يتوجب على الباحث ألا ينظر إلى تسلسل الأحداث التاريخية على أنه ذو حركة نقية خالصة باتجاه الأفضل فالأفضل، مما يوجب القول إن هذه الحركة يمكن أن تأخذ صيغاً واتجاهات وسياقات متعددة ومركبة، وكذلك مما يعني أن ما يجري على هذا الصعيد يحمل طابعين اثنين، واحداً موضوعياً يتصل بالحدث نفسه، وكذلك بالفاعل فيه: من الموضوعية إلى الذاتية. على هذا، تبدو مسؤولية البشر أمراً بأكثر من وجه، وهذا ما وضح خصوصاً في مسارات المجتمعات الغربية حتى بلوغ النظام العولمي، إذ هاهنا خصوصاً ظهر البشر مسؤولين عن القتل والاستباحة والظلم، كما ظهروا هم ضحايا، ومن ثم، فإن رؤية فلسفية من نمط الوجودية لن تضيء هذه البنية المركبة والمعقدة، بقدر ما تضفي عليها مسحة من الاضطراب. فالمسؤولية مقترنة بالحرية والفعل وبامتلاك السلطة والثروة والإعلام المجتمعي. إن السنوات الأربع المنصرمة من حياة «الربيع العربي» في سوريا تضعنا- في ذكرى بدايتها وانطلاقها- أمام استحقاقات الموقف من تلك الثلاثية، ذلك في ضوء الحرية والمسؤولية والفعل من أجل سوريا حرة ديمقراطية، إضافة إلى كونها منزوعة السلاح، وإلى أنها مرشحة للوجود كجمهورية مؤسسة على العدل والمحاسبة، ومبدأ التداول السلمي للسلطة.