لقد مثل مؤتمر «مستقبل مصر» الذي انعقد في الأيام الماضية حدثاً استثنائياً بكل المعايير ليس فقط لنتائجه الاقتصادية وإنما أيضاً لما دل عليه من أهمية مصر ومكانتها بحيث يهرع العالم للوقوف إلى جوارها من أجل تجاوز العقبات الاقتصادية الكؤود التي تعوق مسيرتها. كما أن المؤتمر كان فرصة لتبديد أي سحب عالقة في سماء العلاقات المصرية- الخليجية، فلقد حضرت دول مجلس التعاون الخليجي كافة والتزمت الكويت والسعودية والإمارات وعمان باثنتي عشر ملياراً ونصف المليار من أجل دعم الاقتصاد المصري. غير أن ما أود التركيز عليه هو الحضور اللافت لدولة الإمارات في المؤتمر الذي مثلها فيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي. وكانت الكلمة التي ألقاها سموه في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر هي الأقرب وصولاً لقلوب المصريين وعقولهم والتي استهلها بقول المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد منذ أكثر من أربعين عاماً: «لن يكون النفط العربي أغلى من الدم العربي»، ونقل تحيات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، وذكر بالراحل الكريم عبدالله بن عبدالعزيز، الذي كان له فضل المبادرة بالدعوة إلى المؤتمر في وقت شدة حقيقية مرت بها مصر. كانت الكلمة سيمفونية رائعة في حب مصر والتدليل على مكانتها وقوة علاقتها بشقيقتها الإمارات، وكانت مقولته الصحيحة عن علاقة مصر بأمتها العربية خير تعبير عن معادلة هذه العلاقة: «لا وجود للأمة العربية من دون مصر، ولا يمكن لمصر أن تستغني عن أمتها العربية»، وعكس وصفه مصر بأنها موطن السلام وكنانة الرحمن وقلب العروبة مشاعر حب حقيقية. وتحدث عن مكانة مصر في التاريخ فأشار إلى انكسار الغزاة على عتباتها ومسيرات التحرر التي انطلقت من ترابها، وهو معنى محبب إلى قلوب المصريين يذكرهم بتاريخهم كله وصولاً إلى تاريخهم المعاصر الذي قادت فيه مصر بنجاح حركة التحرر العربي. وأشار في تواضع وصدق إلى أن التاريخ يعلمنا أن مصر تجدد الأمة عندما تكون قوية. وانتقل إلى مقومات القوة المصرية فتحدث عن جيشها المكون من خير أجناد الأرض وعن أزهرها وعلمائها، وكان تناوله للعلاقات بين البلدين والشعبين دافئاً ورائعاً وصادقاً بقوله «إننا نفخر في الإمارات بعلاقتنا بمصر» وكيف أن مصر هي الوطن الثاني لأبناء الإمارات كما أن الإمارات هي الوطن الثاني للمصريين. وأكد أن الإمارات ستبقى دائماً إلى جانب مصر وأنها لا تفعل ذلك كرهاً لأحد وإنما حباً في شعب مصر. ولم يفته أن يسمو بقوله أن هذا ليس منة على أحد وإنما واجب في حق مصر. كانت ردود الأفعال الفورية لهذه الكلمة المفعمة بمشاعر الحب والتقدير واضحة كل الوضوح من عدد المرات التي قوطع فيها بالتصفيق وحرارة هذا التصفيق وشدته، وكانت الكلمة محط إعجاب المصريين وتقديرهم، وأعتقد مخلصاً أن آخر ما اهتموا به فيها هو حديث الدعم المالي لأن الشعور بالطمأنينة لوجود أخ مخلص إلى جوارك في وقت الشدة لا يدانيه شعور. وكنت مساء اليوم التالي لإلقاء الكلمة أطمئن على قريبة عزيزة عبر الهاتف وكان طبيعياً أن يتطرق حديثنا إلى الحدث الضخم الذي تشهده مصر، ووجدتها تسبقني إلى الإشادة بالكلمة وذكرت لي بتلقائية تامة أنها شعرت بعد انتهائها أنها تود لو سافرت إلى الإمارات كي تسير في طرقاتها وتصافح كل مواطن إماراتي تصادفه، واستأذنتها في أن أضمن هذه العبارة الجميلة الصادقة التي أعتقد أنها تعبر عن مشاعر المصريين كافةً في مقالتي. عدت بذاكرتي إلى ما يقرب من نصف قرن عندما كنت شاباً صغيراً لم أعرف بعد من هو الشيخ زايد رحمه الله ولا الدور التاريخي الذي قدر له أن يلعبه، وكان أول من أعلن استخدام سلاح النفط في مواجهة العدوان الإسرائيلي في 1967، وعبر السنين تطورت العلاقات بين البلدين والشعبين وصولاً إلى ما وصلت إليه الآن دون أن تشوبها شائبة اللهم إلا في تلك السنة حالكة الظلمة التي حكم فيها «الإخوان المسلمون» مصر. فلنحافظ بكل ما أوتينا من قوة على هذه العلاقة التي تعد بحق لبنة قوية في تأسيس الأمن والاستقرار والرخاء في هذه المنطقة المضطربة من العالم.