من بين أنواع الملوثات الكيماوية توجد نوعية خاصة يمكن أن نطلق عليها اسم مُعرقلات الهرمونات، أو مُعطلات الهرمونات، أو مُخلات الهرمونات (Endocrine Disruptors)، وإن كنا لغرض هذا المقال سنقتصر على استخدام مصطلح مُخلات الهرمونات، على أساس أن تلك المواد الكيماوية لا تعرقل أو تعطل عمل الهرمونات فقط، بل إنها أحياناً ما تزيد من تأثيرها وفعاليتها، حيث تؤدي هذه المواد الكيماوية عند مستويات معينة، إلى تحفيز أو تثبيط، وظائف الغدد الصماء المنتجة للهرمونات. ويعتقد أن هذا التداخل أو الإخلال، يؤدي إلى تبعات صحية خطيرة مثل الإصابة بالأورام الخبيثة، والعيوب الخلقية في الأجنة، وقصور وتأخر النمو العقلي والبدني لدى الأطفال، وخفض القدرة الإنجابية لدى الذكور، والإصابة بالسمنة وداء السكري، وربما حتى الوفاة المبكرة من خلال أمراض القلب والشرايين، وغيرها من العلل والأمراض. وبوجه عام، تؤثر تلك المواد على أي جهاز أو عضو في الجسم البشري، يعتمد على الهرمونات في تأدية مهمته ووظائفه على أكمل وجه. ويبلغ تأثير تلك المواد أقصاه، ما بين فترة تخصيب البويضة، واكتمال نمو الجنين. ويأتي تأثير هذه المواد الموجودة في الآلاف من المنتجات التي تستخدم لأغراض منزلية أو لأغراض صناعية من حقيقة تشابهها في التركيب الكيماوي مع الهرمونات الطبيعية. ولذا عند دخولها إلى الجسم، إما أن تضاعف من التأثير الفسيولوجي للهرمون الطبيعي، أو أن تتنافس معه وتعطل وظيفته الطبيعية. وعلى رغم أن التأثيرات الصحية للمُخلات بالهرمونات، كانت دائماً مصدر قلق شديد لشريحة واسعة من العلماء، إلا أن تبعاتها الاقتصادية السلبية، والناجمة عن علاج الأمراض التي تنتج عنها، وعن فقدان الإنتاجية لمن يقعون ضحايا لتأثيرها، لم تكن معروفة أو مقدرة بشكل جيد، نتيجة صعوبة دراسة وتقييم مثل تلك التبعات. غير أن هذا الوضع تغير بداية الأسبوع الماضي، مع نشر مجموعة من التقييمات والدراسات، خلال المؤتمر السنوي لجمعية الغدد الصماء في مدينة «سان دييجو»، قدرت فيها مجموعة من الباحثين في دول مختلفة، بقيادة فريق من كلية الطب بجامعة نيويورك، أن التكلفة الاقتصادية للمُخلات بالهرمونات تزيد على 165 مليار دولار (607 مليارات درهم) سنوياً، في الـ27 دولة الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وبنى الباحثون استنتاجهم هذا، على الآتي: 1- تكلفة اضطرابات الإنجاب لدى الذكور (4,4 مليار دولار سنوياً). 2- الوفاة المبكرة، بما في ذلك أمراض القلب والشرايين (6,6 مليار دولار سنوياً). 3- السمنة وداء السكري (16,5 مليار دولار سنوياً). 4- الاضطرابات العصبية، بما في ذلك انخفاض مستوى الذكاء (145 مليار دولار سنوياً). وإذا ما وزعنا المسؤولية عن الفاقد الاقتصادي على أنواع مُخلات الهرمونات، فقد قسمها الباحثون، حسب الآتي: 1- المبيدات الحشرية: 132 مليار دولار سنوياً. 2- المواد الكيماوية الموجوده في المواد البلاستيكية: 28,7 مليار دولار سنوياً. 3- المواد الكيماوية المانعة للاشتعال السريع، والمضافة للعديد من المنتجات اليومية والصناعية: 9,9 مليار دولار سنوياً. ورغم إقرار فريق الباحثين الدولي، بوجود درجة من عدم اليقين في تقديراتهم وتقييماتهم، وعلى رغم اعتمادهم على الأساليب الرياضية الإحصائية، التي اعتمدتها وطبقتها سابقاً، اللجنة الدولية للتغيرات المناخية، لغرض معادلة عدم اليقين في دراستهم، إلا أنهم يصرّون على أن تقديراتهم وتقييماتهم تلك، متحفظة بدرجة كبيرة، حيث يمكن أن تكون التكلفة الاقتصادية أعلى بكثير من الأرقام الضخمة سابقة الذكر. بناء على أن الدراسات التي استُخلصت منها تلك التقديرات والاستنتاجات، فحصت وقيمت تأثير 5 في المئة فقط من أنواع مُخلات الهرمونات المشتبه فيها، ولم تُدرج بعض الآثار الصحية المحتملة، مثل الأمراض السرطانية، أو اضطرابات الإنجاب لدى الإناث. وإن كان ذلك لا يعني أن نتائج تلك الدراسات أصبحت حقيقة علمية ثابتة، حيث إنها لا تزيد على كونها تقديرات، واستنتاجات، حتى وإن استخدمت فيها نماذج رياضية، وأساليب إحصائية علمية. حيث تتخذ المفوضية الأوروبية موقفاً من هذه القضية، مفاده أن تأثير مُخلات الهرمونات على الصحة، ليس واضحاً بشكل قطعي. وهو ما يستدعي إجراء المزيد من الدراسات، وخصوصاً في ظل إيمان فريق آخر من العلماء، بأن مستويات مُخلات الهرمونات في البيئة المحيطة، ليست مرتفعة بالقدر الكافي للتأثير على الصحة، كما أن العديد من التبعات الصحية السلبية التي يربط البعض بينها وبين تلك المواد الكيماوية، يمكن أن تتأثر أيضاً بعوامل بيئية أخرى متنوعة ومتعددة.