المساعي التي تبذلها الأمم المتحدة من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة في ليبيا المنقسمة بين حكومتين وبرلمانيين وفوضى سلاح لم يسبق لها مثيل، مع وجود نحو ألف وستمائة جماعة مسلحة في مختلف أنحاء البلاد، أنعشت بعض الآمال في إمكان الخروج من الطريق المسدود الذي وصلت إليه الأوضاع. الزخم الجديد لمحاولة التقريب بين مواقف أطراف الصراع المتناقضة جاء بعد أن استشعر المجتمع الدولي، خصوصاً دول أوروبا، حجم المخاطر الكبيرة التي باتت تهددها من الساحل الجنوبي لليبيا، وبصفة خاصة بعد أن أصبح وجود تنظيم «داعش» الإرهابي حقيقة واقعة في بعض المناطق الليبية، والذي سلطت الضوء عليه حادثة ذبح 21 قبطياً مصرياً على شواطئ سرت على يد التنظيم الإرهابي، وما أعقبه من قيام الطيران المصري بشن غارات على قواعد لـ«داعش» في درنة بشرق ليبيا. الأزمة الليبية التي تسبب فيها المجتمع الدولي بالدرجة الأولى لم تعد أزمة داخلية بين أطراف محلية متصارعة قد تخدم المصالح الانتهازية لدول أو شركات، بل تحولت إلى أزمة جيوسياسية باتت تهدد جميع دول شمال أفريقيا وأوروبا، خصوصاً بعد أن تحولت ليبيا إلى خزان تسليحي وقاعدة ارتكاز للإرهاب بعد انهيار الدولة فيها. لاشك أن دول الجوار الليبي هي الأكثر تأثراً بالتهديدات الأمنية التي باتت تشكلها الأزمة الليبية، ولعل هذا ما دفع الأمم المتحدة للتفكير في خطوة الحالة الليبية، عبر عقد جولة للمحادثات الليبية في المغرب وأخرى في الجزائر وثالثة مخصصة للحوار بين القبائل الليبية في مصر، ورابعة للمحادثات بين الفصائل المسلحة في بروكسل. لكن المشكلة لا تكمن في ترتيب هذه المحادثات ومكانها بقدر ما تكمن في توفر الإرادة الإقليمية والدولية لفرض حل توافقي بين أطراف الصراع. وربما كانت مصر هي أكثر دول المنطقة عرضة لخطر الإرهاب المنبعث من ليبيا، خصوصاً في ظل وجود «داعش» و«إخوان» ليبيا. وقد يفسر هذا الواقع تحمس مصر لتشكيل قوة عسكرية عربية للتدخل في ليبيا لدعم حكومتها الشرعية والجيش الليبي بقيادة الفريق حفتر. أما تونس التي تعاني وضعاً أمنياً هشاً، فإنها تتحسب لعودة أكثر من 1500 إرهابي تونسي منتشرين في ليبيا، علاوة على المجموعات الإرهابية المتمركزة في جبل الشعانبي. وحتى الجزائر التي تقول: إنها تقف على مسافة واحدة من أطراف النزاع الليبي مستهدفة هي أيضاً من قبل الإرهابيين في ليبيا، وقد سبق أن اكتوت بنار الإرهاب القادم إلى جنوب الأراضي الليبية. وحتى السودان الذي تربطه علاقات بميليشيات «فجر ليبيا»، يخشى هو الآخر من انتقال السلاح إلى إقليم دارفور الذي يشهد مواجهة مسلحة منذ سنوات بين القوات الحكومية والمتمردين. وليس الخطر الليبي ببعيد أيضاً عن تشاد والنيجر ومالي، خصوصاً بعد مبايعة جماعة «بوكو حرام» الإرهابية لتنظيم «داعش». فإذا أضفنا إلى ذلك تهديدات «داعش» بضرب روما، وتهديداتها بإغراق أوروبا بالمهاجرين الأفارقة.. فكل ذلك يفرض على هذه الدول مجتمعة مواجهة المخاطر التي تنطوي عليها الأزمة الليبية مواجهة جادة. كل ما تقدم يؤكد أن حل الأزمة الليبية لن يتحقق دون تضافر جهود دول الإقليم والمجتمع الدولي، ولا يمكن أن يترك الأمر لمجرد محاولة التقريب بين مواقف أطراف الصراع الداخلي. كيف يمكن أن يستقيم الحل في ليبيا وبعض الدول العربية تدعم هذا الطرف أو ذاك من أطراف الصراع الليبي، وحتى القوى الإقليمية، كتركيا مثلاً تدعم الجماعات التكفيرية والإخوانية، بل وتعمل على تسهيل عودة كثير من الإرهابيين من سوريا والعراق إلى ليبيا، في إطار خطة لإعادة انتشار الإرهاب العالمي، وكجزء من استراتيجية بعض الدول الكبرى. الخطوة الأولى على طريق الحل لن تتحقق قبل تبلور إجماع وطني ليبي مدعوم بإرادة دولية وإقليمية حازمة لمواجهة الإرهاب، وبصفة خاصة تنظيم «داعش» و«أنصار الشريعة»، وتجريد الميليشيات الإخوانية من السلاح، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا تحت إشراف الجيش الوطني الليبي، الذي يجب أن يجد دعم ومساندة المجتمع الدولي، وأول خطوة هي رفع الحظر الدولي عن تسليحه وتدريبه. إذا لم تتحقق تلك المقدمات فلن تجدي في علاج الأزمة الليبية أية محادثات بين أطرافها، حتى وإن حسنت النوايا.