لا نريد الهروب من الواقع لنقول إنها مؤامرة، فهذا هو الأسهل عادة لتبرئة النفس من المسؤولية. والحدث كبير، وما يشهده العرب الآن ربما يكون هو الأقسى في التاريخ، فالتغير يقع بقوة وقسوة سواء من خلال المؤامرة، أو انتهاز الفرصة لتحقيق إعادة رسم الخريطة الجغرافية للبلاد العربية! وهذا ما يدعونا للتفكير بنمطية جديدة لإنقاذ الموقف العربي. أما القول بالمؤامرة، كما أشرت، فلا يعفينا من المسؤولية أبداً، فما يحدث في منطقتنا ما هو إلا نتاج لسياسات خاطئة تتطلب جرأة الاعتراف، والكف عن اللوم الذي هو عاد ظاهرة ثقافية ترسم بعض سياساتنا، سواء المستقبلية أو الحاضرة. فعندما أقدم صدام حسين على احتلال دولة الكويت ما كان بمقدرة العرب صد حماقته، وانقسموا بين مؤيد ومعارض، مما أدى إلى نقل المواجهة إلى الساحة الدولية. واليوم يضيع اليمن، ذاك البلد العريق بعروبته وحضارته، وينتهي المطاف به في حالة تمزق لم يشهدها التاريخ، ولا تبدو عودة اليمن الموحد في المنظور القريب على رغم أنه يقبع في الجزيرة العربية، ويشكل دعامة أساسية لاستقرار المنطقة، إلا أننا تاريخياً جعلناه يعاني من العوز، بينما نقدم المساعدات والهبات المالية لدول تبعد آلاف الأميال، ولم نبالِ أحياناً باليمن الذي استقطب بؤراً إرهابية تمكنت من استغلال الظروف، وتمددت في غفلة من الزمن. إيران نجحت في استراتيجيتها واستطاعت أن تقحم نفسها في القضايا العربية، وتمددت إلى أن تحولت إلى جزء من المعادلة في حل النزاعات المختلفة، فهي اليوم في العراق وسوريا ولبنان، والآن في اليمن! ولا نعرف ما هو قادم. والإقليم الخليجي لا يريد الدخول في مواجهات مع إيران كونها جواراً جغرافياً في هذا الإقليم، إلا أننا نجد أن الجميع قد يندفع نحو المواجهة غير المرغوب فيها. والمؤشرات تؤكد أن الملف النووي في طريقة للحل، ويبدو أن الظروف مواتية لإعادة بناء القوة ضمن خريطة جغرافية جديدة. ولاشك أن مصر دولة محورية ويبدو أن صمودها عطّل بعض ملامح الجغرافية الجديدة، ومن ثم علينا أن نعي وندرك أن الأمن القومي المصري هو ركيزة مهمة لأمن الإقليم الخليجي، وعلينا أن ندرك أن القضية تتجاوز المساعدات المالية، فمصر في كل الأحوال ركيزة أمنية كبيرة لاستقرار المنطقة العربية، ومن ثم علينا أن نقوي شراكتنا العربية ونخرج برؤية جديدة تضمن الحفاظ على مصالح النظام الإقليمي العربي. والخلافات حول المشهد السوري يجب ألا تعطل رؤيتنا المشتركة، فسوريا المقسمة جغرافياً ليست من صالحنا جميعاً، وخصوصاً أن هناك أكثر من جماعة مقاتلة، كل منها يدعي القوة، بينما حقيقة الواقع أن سوريا في حالة استمرار العنف والصراع قد تنقل المنطقة إلى أزمة جديدة مزمنة يصعب التحكم فيها. إن الأزمة تقبع في داخل النظام العربي الذي شجع ضعفه وعدم فاعليته صدام حسين أصلاً على اختراق الثوابت العربية، ونحن في أمسّ الحاجة إلى إعادة صياغة نظامنا العربي. ولا يمكن لهذا النظام، وهو في حالة اهتراء، أن يملك القوة في صد الهجمة الشرسة التي أصبح من الواضح أنها تهدف إلى إعادة الجغرافيا وفق عوامل عرقية ودينية قد تلحق أبلغ الضرر بالدول العربية. والجرأة في التشخيص لحالة المشهد العربي قد تنقذ الموقف وتعيد التوازنات. أما سياسة رد الفعل فهي غير مجدية. فالمبادرة غائبة، وطالما أهملنا قراءة الواقع بما يحمله من متغيرات عالمية جديدة، فنحن نتجه نحو الهاوية. وقوة رد وصد مخططات تغيير الجغرافيا الجديدة لا يملكها إلا العرب انفسهم. وحالة التمزق التي نشهدها تتمدد، هي ما يفاقم خطر التنظيمات المتطرفة والإرهابية وإمعانها في حالة التغول والعربدة. ومن ثم يكون التعامل مع كل هذه التحديات الوجودية، خياراً لا مناص منه، على أرض الواقع. وليس تكالب كل هذا العدد المفزع من المشاكل بجديد في عالم السياسة، ولذا فلابد أن نعمل نحن العرب معاً طالما أن المصالح المشتركة هي البوصلة التي تحركنا في الدفاع عن وجودنا الإقليمي لصد كل هذه التحديات. ------------ سفير الكويت لدى اليونسكو - باريس