أصدر المؤرخ الفرنسي «بييرــ جان لويزار» في النصف الثاني من الشهر الماضي، كتاباً مهماً تحت عنوان: «فخ داعش.. وعودة التاريخ!»، وقد جاء هذا العمل في وقت يزداد فيه الاهتمام الإعلامي الدولي بهذا التنظيم الإرهابي، وأيضاً في أتون يبلغ فيها جنون العنف والتطرف والإرهاب ذروة غير مسبوقة مع «الدواعش»، وممارساتهم الدموية التى صدمت العالم، ولم تستثنِ أتباع أي دين، أو ثقافة، من شرورها المستطيرة. وزيادة على خصوصية لحظة الإصدار يزيد أيضاً من قيمة هذا الكتاب، أن مؤلفه مؤرخ وأكاديمي متخصص في شؤون المنطقة العربية، وقد أصدر من قبل كتباً عدة عن العراق خاصة، منها «تكوين العراق المعاصر»، و«المسألة العراقية»، و«حياة آية الله مهدى الخالصى كما يرويها ابنه».. وهو باحث في المعهد الوطنى للبحث العلمى بباريس، وعضو بمجموعة علم اجتماع الأديان والعلمانية فيه. وفى هذا الكتاب الجديد يسعى «لويزار» لتفكيك بعض الغموض الذى اكتنف الظهور المفاجئ لتنظيم «داعش» الإرهابى، متكئاً في كل ذلك على معرفة واسعة بالمشهد الراهن، ساعيا لتحليل ملابسات ظهور هذا التنظيم، وتفاعل الظروف السوسيو ــ تاريخية في العراق وسوريا، ماضياً وحاضراً، مع هذا الظهور الصاخب. وفي البداية يذهب الكاتب إلى أن فهم ما يجري الآن في العراق وسوريا يقتضي استدعاء ما عرفه البلدان منذ نهاية الحرب العالمية الأولى من تحولات واصطفاف طائفى، حيث رسمت القوى الاستعمارية الأوروبية حدود البلدين، بل حدود المشرق العربي كله، وداخل هذه الحدود فرضت الجغرافيا الجديدة تعايش أقليات وأكثريات، وأتباع طوائف وملل ونحل مختلفة، تحت سقف واحد. وقد سيطر على العراق مثلاً الطيف السُّني العربي على حساب الأكراد من جهة، وما يعتبره الكاتب أغلبية شيعية من جهة أخرى. أما في سوريا فقد تمكنت الأقلية العلوية من الوصول إلى السلطة مع بدايات النصف الثانى من القرن العشرين، على حساب الأغلبية السّنية العريضة، إضافة إلى وجود نسيج طائفى آخر مختلف المشارب والعقائد في سوريا. ومع مطلع القرن الحادى والعشرين أدى الغزو الأميركى لبلاد الرافدين لانتزاع السلطة من الطيف السنى، وتشكيل نظام سياسي جديد يسيطر عليه الشيعة، وهو ما زاد الاحتقان أصلاً، وتكشّف في النهاية عن حرب أهلية مذهبية بين السنة والشيعة أتت على الأخضر واليابس، وما أن خف أوارها قليلاً، حتى اندلعت حرائق ما سُمى «الربيع العربي» في سنة 2011 لتمتد نيران الاحتراب الطائفى والمذهبى إلى سوريا أيضاً. ووسط حرائق الدم، والعنف، والتطرف، والتعصب، قفز إرهاب «داعش» إلى المقدمة ليتصدر عناوين وسائل الإعلام، مستغلاً في ذلك حالة الفوضى العامة، العارمة، وتفكك بنيات الدولة في كل من العراق وسوريا معاً، وهو ما يفسر سهولة سيطرة مسلحى التنظيم الإرهابي على الموصل ومدن كثيرة أخرى في شمال العراق، وهي أساساً مناطق حضور الطيف السني، المحتقن من ممارسات نظام بغداد في أيام المالكى، والسياسة الطائفية الإقصائية، التي كان يتبعها تجاه السنة. ويذهب المؤلف إلى أن نسبة محسوسة من ضباط وكوادر نظام «البعث» السابق بقيادة صدام حسين، هم من يحاول التنظيم الاعتماد عليهم إضافة إلى إرهابيي الشتات الذين استقدمهم معه، خاصة أن بعض كوادر «البعث» السابق كانوا قد اكتسبوا توجهات «سلفية» خلال عقد التسعينيات، بتشجيع من صدام، بحسب ما يقول الكاتب. وفي المجمل يقدم الكاتب في عمله الواقع في 180 صفحة عرضاً مفصلاً عن الأسباب، التي يرى أنها كانت سبباً وراء تغول «داعش»، والمظالم الطائفية والمذهبية المزمنة، التي يحاول استغلالها والعزف على أوتارها، وصولاً إلى تفكيك وكشف كثير من الأفكار المتطرفة والتوجهات والتأويلات الدينية المنحرفة، المفارقة لروح الدين السمحاء، التي يحاول هذا التنظيم الإرهابي فرضها على الناس، في المناطق التى يحتلها في كل من العراق وسوريا. حسن ولد المختار الكتاب: فخ «داعش».. وعودة التاريخ! المؤلف: بيير ــ جان لويزار الناشر: لاديكوفرت تاريخ النشر: 2015