في الثالث من مارس الجاري، ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كلمة مثيرة للجدل في جلسة مشتركة للكونجرس الأميركي بناءً على دعوة من الجمهوري جون بينر، رئيس مجلس النواب، ولم يستشر في الأمر البيت الأبيض ولا وزارة الخارجية. وجادل أنصار نتنياهو بأنه رغم المآخذ على الطريقة التي عقدت بها جلسة الكونجرس، فإن جوهر هجوم نتنياهو على المفاوضات الإيرانية النووية مهم، وكان من الضروري الاستماع إليه. ويعتقد كثير من المنتقدين في الولايات المتحدة وإسرائيل أن الكلمة فاقمت من سوء علاقة نتنياهو بإدارة الرئيس أوباما وجعلت من الصعب على إسرائيل أن تعتمد على الدعم الذي يجمع الحزبين في الكونجرس خاصة إذا ظل نتنياهو رئيساً للوزراء بعد الانتخابات المقرر إجراؤها في 17 مارس. وأفضل مؤشر للأثر السلبي لكلمة نتنياهو يتجلى في تصريح للزعيمة الديمقراطية في مجلس النواب نانسي بيلوسي التي قالت: «كادت دموعي تنهمر أثناء كلمة رئيس الوزراء، وأحزنني الإهانة لاستخباراتنا في الولايات المتحدة باعتبارها جزءاً من خمسة زائد واحد (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا) وأحزنني التعالي على معرفتنا بالتهديد الذي تشكله إيران». ومثل هذا الانفجار لم يُسمع به من قبل ويعكس شقاقاً خطيراً للغاية تسبب فيه نتنياهو مع من كانوا أصدقاءه الديمقراطيين في الولايات المتحدة. ومعظم الأميركيين اليهود ينتمون للحزب الديمقراطي ومعظمهم يصوت للحزب في الانتخابات العامة. ورغم أن الأميركيين اليهود يؤيدون إسرائيل بشدة، فإن اهتمامهم الأساسي بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية وهم يصوتون بصفة عامة لمصلحة القضايا الليبرالية التقليدية. وهناك عدد صغير عالي الصوت للغاية من الأميركيين اليهود من الجمهوريين، وهم لا يؤيدون القضايا الجمهورية فحسب بل أيضاً الأحزاب اليمينية في إسرائيل ويؤيدون توسع المستوطنات الإسرائيلية ويرتابون في إقامة دولة فلسطينية. وأثناء الزيارة القصيرة لرئيس الوزراء للولايات المتحدة، تحيزت لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (ايباك)، وهي جماعة ضغط ذات نفوذ مؤيد لإسرائيل، إلى جانب نتنياهو مما أدى إلى تعزيز الاستقطاب داخل المؤسسة اليهودية بشأن الحكمة من الكلمة وفحواها. لكن هل كان لدى نتنياهو أي شيء بنّاء ليقوله في الموضوع؟ من المؤكد أنه ألقى الضوء على بعض نقاط الضعف في الصفقة المقترحة، لكن طالما لم يتم التوصل إلى صفقة فهذا سابق لأوانه. وأصاب نتنياهو في سرده لقائمة بالأخطار التي تشكلها إيران للمنطقة واحتمالات أن يحذو حذوها آخرون إذا أنتجت قنبلة نووية. لكن حجته الأساسية تمثلت في ضرورة إجراء مفاوضات أفضل (وهو يعني أكثر صرامة) مع إيران. ورغم أن هذا جيد نظرياً، لكن ليس من المأمول أن يقبله النظام الإيراني الحاكم، حتى أولئك الحريصين على التوصل إلى اتفاق. ولم يشر نتنياهو إلى ردود فعل القوى الدولية الأخرى في مجموعة خمسة زائد واحد، وهو يفترض فيما يبدو أن الأمر راجع لإدارة أوباما في تشديد شروط التفاوض مع إيران. لكن هذا لن يحدث ما لم يتفق الأعضاء الآخرون في المجموعة، وهذا غير مرجح بدرجة كبيرة. وما لم تحصل الولايات المتحدة على دعم لصفقة أشد صرامة، فسوف تنهار المفاوضات وستلقى اللائمة على الولايات المتحدة وإسرائيل وسوف يتقلص على الأرجح الدعم لنظام العقوبات متعدد الأطراف. وفي ظل هذه الظروف ستجد إيران نفسها أكثر حرية في استئناف برنامجها وستعزز مخصصاتها لفعل هذا. وسيكون من الأصعب اكتشاف سعي إيران لإنتاج سلاح نووي. وسيبرز مرة أخرى احتمال استخدام القوة، وفي أفضل الظروف سيؤدي هذا إلى تعطيل البرنامج النووي الإيراني دون التخلص منه، هذا إذا ساهمت الولايات المتحدة بقوتها العسكرية. أما إذا استخدمت اسرائيل منفردة قوتها العسكرية الأقل قدرة، فإنها ستكسب بعض الوقت فحسب، وقد تعاني خلال هذا كثيراً من الانتقام الإيراني مباشرة أو من خلال أتباع طهران. أما معرفة ما إذا كانت رحلة نتنياهو إلى واشنطن قد ساعدته في الحملة الانتخابية، فمازال هذا سابق لأوانه. لكن من الواضح أنها جعلت اعتماد إسرائيل على الدعم الحزبي الموحد في الكونجرس الأميركي أكثر صعوبة، خاصة إذا استمر نتنياهو رئيساً للوزراء. أما إذا خسر الانتخابات، فيمكننا الزعم بأن رئيس الوزراء الجديد سيأتي قريباً إلى واشنطن محاولا إصلاح ما أفسده نتنياهو.