أظهرت دراسة أجراها علماء جامعة «سيتي» بالعاصمة البريطانية، وظهرت نتائجها في العدد الأخير من إحدى الدوريات الطبية المتخصصة في طب النساء والولادة (BJOG)، وجود تباين واضح، وفروقات ملحوظة، في معدلات إجراء الولادات القيصرية، بين شعوب 26 دولة من الدول الأوروبية، على الرغم من تقارب مستويات الرعاية الطبية بين هذه الدول، وتجانس الحالة الصحية للنساء في معظمها. فعلى سبيل المثال، في الوقت الذي تبلغ فيه نسبة الولادات القيصرية من مجمل الولادات السنوية في السويد، مجرد 17 بالمئة فقط، نجد أنها تبلغ نسبة 25 بالمئة في بريطانيا، وتصل في قبرص إلى 52 بالمئة، أي أكثر من النصف. وفي الوقت الذي تظهر فيه معدلات إجراء الولادات القيصرية تزايداً مستمراً في غالبية الدول، يظل هذا التباين والفرق الواضح في نسبها بين دولة وأخرى، مستعصياً على الفهم أو التفسير. وتطرح عدة احتمالات لحل هذه الأحجية، مثل خوف الأطباء من المقاضاة القانونية، والتي قد تصل أحياناً إلى العقوبات الجنائية، إذا تعثرت الولادة، وأصيب الطفل المولود بضرر عضوي، أو تلف في الجهاز العصبي. فرغم أن الولادة القيصرية تعتبر أكثر خطراً نسبياً على الأم والجنين –مقارنة بالولادة الطبيعية- إلا أنها أكثر أمناً للطبيب من الجانب القانوني. وأحياناً أيضاً ما تُوجه أصابع الاتهام لبعض الأطباء، بوجود حافز مادي خلف قرارهم بالعدول عن الولادة الطبيعية، واللجوء للولادة القيصرية، والتي تبلغ أجرة الطبيب فيها أضعاف أجرة الولادة الطبيعية -والتي كثيرا ما تشرف عليها قابلة- هذا بالإضافة إلى تكلفة الإقامة في المستشفى، وبقية متطلبات العلاج في الأيام التالية. وفي أحيانا أخرى، توجه أصابع الاتهام إلى المرأة نفسها، ضمن ما يعرف بالولادة القيصرية الاختيارية، والتي تختار فيها المرأة الولادة قيصرياً دون أن يكون هناك سبب أو داع طبي، لمجرد تجنب آلام الولادة، والتي قد تستغرق عدة ساعات في الولادات الأولى، وأيضاً للحفاظ على سلامة الأعضاء التناسلية الخارجية، التي قد تتعرض للضرر أحياناً أثناء الولادة الطبيعية، أضف إلى ذلك انتشار الاعتقاد بأن الولادة القيصرية هي إجراء آمن بنسبة مئة بالمئة. وبعيداً عن الاتهامات، يوجد جدل وخلاف طبي، حول الأسباب والظروف التي يتوجب فيها اللجوء للولادة القيصرية، مثل حالات «الطفل الثمين»، أي الذي حملت فيه أمه بعد سنوات طويلة من العقم، أو حالات تعسر الولادة الطبيعية، أو الحمل بتوائم، أو حدوث مضاعفات قبل وأثناء الولادة، وغير ذلك من الأسباب. ويتم تقسيم تلك الحالات والأسباب عادة إلى قسمين: الأول يلجأ فيه الأطباء إلى ما يعرف بالولادة القيصرية الطارئة، بناء على قرار لحظي، بأن حياة الأم أو الجنين أصبحت في خطر، كما هو الحال مع تعسر الولادة مثلاً. والغريب أيضاً، أن معدلات الولادات القيصرية المبنية على طارئ طبي بحت، تتباين بشكل واضح بين الدول، حيث أظهرت دراسة جامعة «سيتي» سابقة الذكر، أن معدلات هذا النوع من الولادات القيصرية تصل إلى 33 بالمئة في رومانيا، لتنخفض إلى 15 بالمئة في المملكة المتحدة، وإلى مجرد 8.6 بالمئة في السويد. القسم الثاني من الولادات القيصرية، يعرف بالولادة القيصرية الإجبارية – ويطلق عليه أحياناً صفة الاختيارية أيضاً– أي تلك المخطط لها مسبقاً. في مثل هذه الحالات، يخطط الطبيب مسبقاً لإجراء الولادة قيصرياً، بناء على سبب طبي قد يعرّض حياة الأم أو الجنين للخطر، إذا تركا للولادة الطبيعية، كما هو الحال مع ولادة التوائم مثلاً. وغالبا ما يتم هذا النوع من الولادة قبل أسبوع أو أسبوعين، من التاريخ المتوقع للولادة الطبيعية، ويتم تحديد اليوم والساعة، بناء على مشاغل الطبيب وظروف الأم. ومثلها مثل الولادة القيصرية الإجبارية، تتباين معدلات الولادة القيصرية الاختيارية بين الدول، لتبلغ أعلى معدلاتها في قبرص بنسبة 38.8 بالمئة، وفي إيطاليا بنسبة 25 بالمئة، بينما تبلغ معدلات هذا النوع من الولادة أقلها في فنلندا والنرويج بنسبة 6.6 بالمئة، وفي هولندا بنسبة 7.7 بالمئة. وجدير بالذكر أن سبب تسمية الولادة التي يتم فيها استخراج الجنين من بطن الأم من خلال إجراء جراحي بـ«الولادة القيصرية»، ليس معروفاً أو متفق عليه. فرغم أن البعض يشير إلى قانون روماني قديم، يفرض نزع الطفل من بطن أمه، إذا توفيت قبل أن تلد طفلها، إلا أن المراجع التاريخية لا تشير إلى وجود مثل هذا القانون. وتتداول أحياناً روايات، مفادها أن أسلاف القيصر الروماني «يوليوس قيصر»، كانوا يولدون بهذه الطريقة، وإن كانت هذه الروايات لا تزيد على كونها مجرد أساطير.