ربما تقتفي إيران أثر دولة أخرى في إطار سعيها سراً إلى تطوير قدرات إنتاج أسلحة نووية. فهل كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتذكر نجاح دولته في إخفاء برنامج أسلحتها النووية في ستينيات القرن الماضي عن المفتشين الأميركيين، عندما تساءل: هل ستحول عمليات التفتيش دون حصول إيران على سلاح نووي؟ وقد أخبر نتنياهو اجتماعاً مشتركاً لمجلسي الكونجرس الأميركي الأسبوع الماضي، قائلاً: «إن إيران لا تتحدى المفتشين فحسب، ولكنها أيضاً تلعب لعبة محكمة في إخفاء أنشطتها وخداعهم». والمشكلة التي تجاهلها الجميع في مجلس النواب الأميركي أن إسرائيل نبشت أثر قضية تعود إلى عقود مضت، وهي بناؤها سرّاً لمنشآت تصنيع أسلحة نووية في صحراء النقب قبل ستين عام مضت، وباتت تمتلك الآن زهاء مائتي قنبلة نووية ورؤوس صواريخ حربية. وعندما بدأت إسرائيل بناء مفاعلها بمساعدة فرنسية، وصفه مسؤولوها في يونيو 1960، للسفارة الأميركية هناك بأنه «مصنع نسيج»، ثم قالوا لاحقاً إنه «منشأة أبحاث معدنية»، حسب مذكرة مؤرخة في مارس 1964 تم إعدادها لمستشار الأمن القومي آنذاك ماكجورج بوندي. وفي ديسمبر 1960، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، ديفيد بن جوريون، في الكنيست أن بناء مفاعل ديمونة بقدرة 24 ميجاواط لن يتم إنجازه قبل أربعة أعوام، مضيفاً: «إنه مخصص لأغراض سلمية». ووافق بن جوريون في اجتماع عقد في الرابع من يناير 1961، مع السفير الأميركي لدى إسرائيل آنذاك أوجدين ريد، على السماح لعلماء أميركيين بزيارة المفاعل شريطة عدم تسريب أية معلومات. وجرت الزيارة الأولى في مايو 1961، وأكد العلماء أن المفاعل كان «كما تم الإعلان عنه تماماً». وفي 30 مايو 1961، التقى بن جوريون بالرئيس الأميركي في حينه جون كينيدي، وأخبره بوجود مفاعل ثاني لأغراض توليد الطاقة، وأضاف: «ليست هناك نية لتطوير قدرات تسليحية في الوقت الراهن»، حسبما أفادت مذكرة صادرة عن وزارة الخارجية الأميركية. وتوضح المذكرة أن كينيدي أكد أنه من مصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل أن تتم طمأنة دول الشرق الأوسط إلى أن المفاعل والمباني الملحقة به، كلها لأغراض سلمية. وفي سبتمبر 1962، قام العلماء الأميركيون بزيارتهم الثانية إلى ديمونة، وذكروا أنهم شاهدوا منشأة أكبر من المتوقع، و«بالتأكيد ليست مفاعلاً للطاقة». لكنهم رغم ذلك لم يجدوا دليلاً على التأهب لإنتاج أسلحة نووية. وبعد علمه بتخطيط إسرائيل لبناء مفاعل ثالث، التقى كينيدي في الثاني من أبريل 1963 بشيمون بيريز الذي كان نائباً لوزير الدفاع الإسرائيلي، والذي علم أنه يدير البرنامج النووي. وعندما سأله كينيدي عن الأنشطة في ديمونة، أجاب بيريز: «أستطيع أن أخبرك بوضوح أننا لن نُدخل أسلحة نووية إلى المنطقة، ولن نكون أول من ينتجها». ومع تطور القدرات الإسرائيلية، أثار قرار الرئيس ريتشارد نيكسون بأن توقع الولايات المتحدة معاهدة حظر الانتشار النووي في فبراير 1969، مسألة التصرف مع إسرائيل. وفي سبتمبر من ذلك العام، اتفق نيكسون مع رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مئير على ألا تجري إسرائيل اختبارات نووية، أو تكشف امتلاكها أو تهدد بها أية دولة. وفي المقابل يتوقف نيكسون عن الضغط على إسرائيل من أجل الانضمام إلى المعاهدة. والآن، ها هي إيران تقتفي أثر إسرائيل نحو امتلاك قدرات نووية. والتر بينكاس كاتب ومحلل سياسي أميركي يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»