القصة الحزينة لأزمة بنك نمساوي سببها سياسي قومي متطرف، وأسوأ ما في القصة أنه من المحتمل تكرارها في بنوك أوروبية أخرى في السنوات المقبلة. فقضية بنك «هيبو ألب-ادريا-بنك انترناشيونال» تحذر المستثمرين من الانخداع بالضمانات المالية من الحكومات. ففي الأول من مارس قررت الحكومة النمساوية أن تتوقف عن دعم «هيتا آست روزويليوشن» وهو «البنك السيئ» الذي تشكل بعد تأميم «هيبو ألب» عام 2009. ويخضع البنك الآن لعملية حسم بموجب «الأمر التنفيذي للحسم والتعافي المصرفي» الصادر العام الماضي عن الاتحاد الأوروبي- وهو جزء رئيسي من اتحاد مصرفي أوروبي ناشئ- وهو يقضي بوقف لمدة 15 شهراً في سداد الديون وعملية «تشذيب» في نهاية المطاف للدائنين– أي تحملهم بعض أعباء الديون. وتسبب هذا على الفور تقريباً في خفض ائتماني من مؤسسة «مودي» لولاية «كارنتن» النمساوية المالكة الأصلية للبنك. وتضمن «كارنتن» 10.2 مليار يورو من الديون البارزة على «هيتا»، وهذا المبلغ يقارب خمسة أمثال عائدات الولاية بحسب «مودي». وهذه الضمانات تمثل تركة «يورج هايدر» الحاكم الأكثر شعبية للولاية السياحية الواقعة في جنوب النمسا. وانتخب «هايدر» لأول مرة في منصب الحاكم عام 1989، ثم أجبر على الاستقالة بعد عامين بعد إشادته بسياسة هتلر في التوظيف ثم أعيد انتخابه عام 1999. وكان «هايدر» مولعاً بترك آثار كبيرة، فقد أقام استاداً ضخماً لكرة القدم وفندق ستة نجوم وهو شاغر تقريباً الآن. وكان متشدداً تجاه المهاجرين «العالة على المجتمع» ويحتقر الاتحاد الأوروبي. وكان محبباً للصحافة المحلية، ونعاه الناخبون عندما توفي عام 2008 واصفين إياه بملك «كارنتن». وكان «هايدر» صديقاً مقرباً لـ «فلولفجانج كولتيرير»، المدير التنفيذي لبنك «هيبو ألب»، الذي وصفته مجلة «دير شبيجل» الألمانية بأنه محافظ بنك منزل «هايدر». ففي أي وقت كان الحاكم يحتاج فيه إلى المال من أجل تنفيذ مخططاته الضخمة، كان يتصل بـ «كولتيرير» الجاهز دوماً بالمال وفي مقابل سخاء «هايدر» ببذل الضمانات الحكومية الإقليمية التي ساعدت في تمويل التوسع السريع للبنك في البلقان في بداية العقد الأول من القرن الحالي. وقدم «هيبو ألب» امتيازات للسياسيين وموّل مشروعات عديمة القيمة. و«كولتيرير» مسجون الآن لإدانته بالاختلاس والاحتيال. وعام 2007، كاد «هايدر» و«كولتيرير» أن ينقلا كل مخاطر بنك «هيبو ألب» إلى ولاية بفاريا الألمانية المجاورة ببيع البنك النمساوي إلى بنك «بايرن إل. بي»، المملوك للدولة. لكن الصفقة انهارت عام 2009، عندما انقذت الحكومة البنك الألماني متحملة المليارات من الخسائر ببيع «هيبو ألب» إلى الحكومة النمساوية مقابل مبلغ رمزي. ولم توافق النمسا على الاستحواذ على البنك المتعثر إلا بضمانات قيمتها 21 مليار يورو من ولاية «كارنتن». ولم ترد فيينا بأن تجعل الولاية تفلس، واعتقدت أن لديها فرصة لتجنب دفع الضمانات. وأنفقت النمسا ست سنوات و55 مليار يورو لتدرك أنه قد ينتهي بها الحال إلى دفع المبلغ بالكامل ما لم تتخل عن هذا. وعقدت النمسا الموقف بسماحها لبنك هيتا «السيئ» بإصدار ديون ثانوية تضمنها الحكومة المركزية. ومن المفارقات أن أصحاب الديون الثانوية أمامهم فرصة أفضل من أصحاب الديون البارزة في استرداد ديونهم في ظل الضمانات التي أصدرها «هايدر». وهذا موقف كلاسيكي لوقوع جميع الضالعين في الأمر في الخطأ بدرجة ما. فما كان يجب أبداً أن يصدر «هايدر» ضمانات. وكان يجب التصدي للمصرفي الفاسد «كولتيرير» من الجهات الرقابية قبل أن يؤدي إلى إفلاس «هيبو ألب»، ودائنو البنك من جانبهم كان يجب أن يدركوا أن «كارنتن» ليس لديها المال الذي يكفل الضمانات. والمصرفيون يتميزون بالعقل وليس بآلات لرصد التصنيف الائتماني ولذا كان عليهم توخي الحذر عندما يكون هناك حاكم شعبوي في السلطة. وفي نهاية المطاف، سيتحمل دائنو «هيتا» جزءاً من ديونهم البالغة 15.8 مليار يورو، مما يصيب وسط أوروبا بصدمة مالية لن تكون الأخيرة. والدرس المستفاد من «هيبو ألب» أن ضمانات الحكومة أكثر خطورة على الأرجح من أي نوع آخر من الضمانات. ولا يمكن الاعتماد على أن السياسيين يتصرفون بشكل مسؤول، خاصة لأنهم عندما يكونون على شاكلة «هايدر»، فإن الناخبين يكافئونهم. ومع صعود الأحزاب المتشددة في أنحاء أوروبا، ستتزايد أهمية تحليل وعودهم والقدرات المالية الحقيقية لهم. ليونيد بيرشيدسكي كاتب روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»