خلال خطابه أمام الكونجرس الأميركي الأسبوع الماضي، أساء نتنياهو إلى التحالف الأميركي الإسرائيلي وإلى الهدف المتمثل في منع قنبلة إيرانية. فإذا كان هدفه هو منع إيران من الحصول على أسلحة نووية، فيمكن القول: إنه أفلح في تقويض ذلك الهدف ودعوني أوضح ذلك. أولا: من خلال قبوله دعوة الحزب الجمهوري لإلقاء خطاب أمام الكونجرس، حوّل موضوعاً جدياً إلى صراع حزبي، حيث رحب الجمهوريون بنتنياهو كما لو كان ريجان سيلقي خطاباً حول حالة الاتحاد، وحوّلت هتافاتهم وتصفيقاتهم لانتقاداته الواضحة لسياسة أوباما تجاه إيران، نقاشاً جدياً إلى سيرك سياسي. ثانياً: رغم أن نتنياهو أثار تخوفات حقيقية بشأن الأحكام المفترضة للاتفاق الذي يجري التفاوض بشأنه بين إيران ومجموعة 5+1، فإن هدفه الحقيقي كان نسف أي اتفاق بدلا من جعل أحكامه أقوى وأفضل. نتنياهو لم يقل صراحة إنه يريد إجهاض المفاوضات، لكنه طرح شروطا لإجهاضها، حيث جادل بأن الاتفاق سيسمح لإيران بالاحتفاظ بآلاف أجهزة الطرد المركزي التي تستعمل لتخصيب اليورانيوم، والتي يمكن استعمالها لصنع قنبلة. وبالتالي، فإنه يريد القضاء على كل برنامج إيران النووي. وهو أمر سيكون رائعاً لو كان قابلا للتحقق، لكنه ليس كذلك، مثلما قال لي روبرت إينهورن، العضو السابق في الفريق الأميركي الذي يتفاوض مع إيران. لذلك، فالبديل الذي تسعى إليه مجموعة 5+1 هو تقليص عدد أجهزة الطرد المركزي بشكل كبير، ونقل معظم اليورانيوم المخصب إلى خارج البلاد، وفرض نظام تفتيش أممي أكثر حزماً وصرامة. أما الهدف، فهو ضمان أنه في حال أرادت إيران التحلل من أي اتفاق، فستحتاج إلى عام على الأقل لتحويل برنامجها، وهو وقت كاف ليكتشف المفتشون ذلك وليتخذ العالم ما يلزم من إجراءات. وثمة تخوفات أخرى بشأن الاتفاق تحتاج لمعالجة، غير أنه بدلا من السعي لتحسين الاتفاق وتجويده يبدو أن نتنياهو عاقد العزم على عرقلته. ثالثاً: بعد أن كال انتقادات شديدة لدبلوماسية أوباما، لم يوضح نتانياهو ما يعتقد أنه ينبغي أن يحدث، في حال تم نسف الخيار الدبلوماسي. وبالمقابل، شدد على ضرورة مواصلة فرض قيود على برنامج إيران النووي طالما «استمرت طهران في اعتدائها على المنطقة والعالم». هذه الكلمات قوبلت بتصفيق حار في الكونجرس، لكنها لم تخبرنا كيف سيتم كبح برنامج إيران النووي. ذلك أنه إذا استطاع نتنياهو دفع الكونجرس إلى عرقلة أي اتفاق غير مثالي، فإن معظم مجموعة 5+1 من المحتمل أن تحمّل مسؤولية الفشل لواشنطن. ومن المحتمل أن تنهار العقوبات الدولية ضد إيران، ويستأنف النظام إنتاج أجهزة الطرد المركزي المتقدمة. وحينها، فإن نتنياهو سيحث الولايات المتحدة مرة أخرى على الانضمام إلى ضربة عسكرية ضد البنية التحتية لإيران، مثلما فعل في السابق. رابعاً: خطاب نتنياهو كان يرمي إلى فتح شهية الكونجرس لضربة عسكرية أميركية لإيران في المستقبل. والواقع أن إسرائيل لديها أسباب مشروعة للقلق بشأن نوايا إيران النووية، لكن محاولات نتنياهو تشبيه تهديد نظام طهران للغرب بتهديد تنظيم «داعش» هو تخويف مبالغ فيه ومخالف للواقع. ذلك أن إيران دولة حقيقية، وليس عصابة إرهابية هائمة. فحكامها واقعيون ويدركون أن ضربة نووية على أوربا أو الولايات المتحدة (أو إسرائيل) ستضمن دمارها. وبالتالي، فإنها لا تستطيع تهديد الغرب بشكل مباشر. صحيح أن إيران لاعب سيئ في الشرق الأوسط، وسلوكها الإقليمي من المستبعد أن يتحسن مع اتفاق نووي، غير أنه إذا كان الهدف هو تقدم سير إيران نحو العتبة النووية، فإن الدبلوماسية مازالت تمثل أفضل الخيارات. خلاصة القول: إنه إذا كان نتنياهو يرغب حقاً في إبطاء سير إيران النووي، فقد كان عليه أن يقوم بالتباحث مع أوباما حول أفكار واقعية لجعل الاتفاق أكثر صرامة. وعلى سبيل المثال، يقترح الدبلوماسي الأميركي المخضرم دنيس روس الإشارة مقدماً إلى العواقب الخاصة بـ«كل أنواع الخروقات الممكنة للاتفاق»، ومن ذلك استعمال القوة في حال حاولت إيران «الخروج» من الاتفاق وتطوير سلاح نووي. لكن بدلا من ذلك اختار نتنياهو أداء حركات مسرحية وتهييج حلفائه في الكونجرس في اتجاه دعم حرب أخرى في الشرق الأوسط مستقبلا. ولا شك أن هذا أمر لا بأس به للدراما التلفزيونية، لكنه أمر سيئ لمصالح الولايات المتحدة ولوقف سير إيران نحو قنبلة نووية. -------------------------- *محللة سياسية أميركية -------------------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»