تناولت ندوات مركز المزماة للدراسات والبحوث الأخيرة، لطلاب جامعة زايد في أبوظبي وجامعة الإمارات بالعين، وفي ندوة الثقافة والعلوم بدبي، ظاهرة التأسلم السياسي ودوره في نشر ثقافة الإرهاب. فالظاهرة التي شارك مختلف الذين شهدوا الندوات بآرائهم الواقعية الجريئة في تشخيصها، تجلّت آثارها السالبة فيما يحيط بالمنطقة من ضياع وخراب. ونلاحظ أن ثقافة الكراهية ظلّت ملازمة لدعاة التأسلم السياسي منذ الأزل، فتكفير المجتمعات المسلمة التي تعيش في أراضيها، وتمارس شعائرها الدينية بمحبة وأمان، أو الطعن في الطريقة التي تمارس بها تلك الشعائر، كان أول بوابات دخول تلك الثقافة المدمّرة التي تجنح لحمل تلك المجتمعات على نبذ ما تعلمته من عبادات، حسب الاعتقادات الخاطئة لهذه الجماعات. الشعارات الفضفاضة التي لا تحمل غير العموميات هي السمة التي مثّلت عاملا مشتركاً بين تلك الجماعات، بدءاً بالحنين لوهم دولة الخلافة التي اقتصرت في التاريخ الإسلامي على الخلفاء الراشدين، ما دفعهم بالتالي لمعاداة الأوطان والوطنية، وعدم الاعتراف بالحدود الجغرافية التي رسمتها المجتمعات وتوافقت عليها وأخذت في تعميرها منذ وقت طويل، وهو ما جعل تلك الجماعات ترفض وجود الحكومات متهمة إياها بالتبعية لغير المسلمين، وإعاقتها إقامة دولة الخلافة الدينية، وابتداع مختلف المبررات والخطط المدروسة الممنهجة التي تحاول أن تغرس بذور الكراهية بين هذه الحكومات وشعوبهم المتهمة سلفاً (من جانب هذه الجماعات) بالبعد عن الدين! وتنتشر بذور الكراهية عادة بين أتباع تلك الجماعات الذين يمتازون في الغالب بقلة الخبرة في الحياة، فمعظم المغرر بهم من منتسبي تلك الجماعات ينتمون لفئة المراهقين والشباب الذين لا يزالون في طور التّشكل، وطبيعة سنّهم التي تفتتن بالخطب الحماسية، تسهل السيطرة عليهم بتحليلات فكرية تتّخذ شكل التفاسير والأحكام القاطعة التي لا يُسمح للآخرين حتى بمجرد التفكير في مناقشتها، ناسين أن من وضعها هم من المسلمين الذين اجتهدوا في التفسير، والاجتهاد دائماً احتمالي الصواب والخطأ، خاصة وأن الأحكام الدينية على مدى تاريخ الإسلام اختلفت حولها الاجتهادات والتفاسير، غير أن تلك الجماعات جعلت الاقتراب من كتب أئمتهم خطاً أحمر أشبه بمنطقة عسكرية لا يجوز الإقتراب منها أو التصوير. مجرد محاولة المسلم العادي التّفكّر في أقوال أولئك المراجع الذين تقدسهم تلك الجماعات وتتخذ من كتاباتهم مطية لتنفيذ مآرب سياسية، أو حتى مناقشتها بعقلانية، تجعل منه في نظر تلك الجماعات شخصاً مارقاً عن ملّة الإسلام ويستحق الكراهية، وكأنما تلك الأقوال تشكّل قرءاناً منزلاً لا يجوز الطعن فيه، مع أن الصحابة والعلماء كانوا هدفاً للجدل، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «أصابت امرأة وأخطأ عمر». ثقافة الكراهية التي تقود المستهدفين بها لتفجير أنفسهم، وتدمير مجتمعاتهم بإحلال الفوضى تمهيداً لاعتلائهم دفة الحكم.. يجب على المجتمعات حقن نفسها وأبنائها بأمصال الوقاية منها، وتقع المسؤولية دون شك على البيت والشارع والمدرسة والدولة والإعلام، وعلى مكونات المجتمع الرسمي والمدني أن تقوم بأدوارها في مقاومتها. فالحرب الفعلية ضد الإرهاب يجب أن تتخذ مسارين: الأول هو مواجهة الإرهابيين أينما وجدوا، وبالسبل الرادعة للإرهاب. والثاني هو وقاية المجتمع من الإصابة بفيروسات الكراهية القاتلة قبل أن يتفشى المرض ويصعب علاجه، خاصة أن وسائل التواصل الاجتماعي أضحت على أيدي الإرهابيين سلاحاً أفتك من «الطائرات الانتحارية»، ومعظم الذين تم تجنيدهم في «داعش»، على سبيل المثال، التحقوا بها متأثرين بوسائل التواصل الاجتماعي. وقد تم استغلال التركيبة التي تعاني خللا في المناهج التعليمية، وخللا في الرقابة المنزلية، وخللا من تراخي مختلف مكونات المجتمع في أداء كامل مسؤولياتها، ببناء عقول جيل، وهو ما يعيد العالم لفلسفة دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي نادى بها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيّب الله ثراه، في مفهومه لبناء الدولة منطلقاً من واقع بناء الإنسان قبل بناء المكان، فهل تنتهج دول المنطقة ذلك النهج وتبني عقول أبنائها وفق ثقافة المحبة التي تدحر الكراهية وتستبدل مفاهيم التدمير بحب البناء؟