المسح الذي أجرته صحيفة «الإمارات اليوم»، واستطلعت فيه آراء الشباب المواطنين وتوجهاتهم حول العمل في القطاع الخاص، ونشرت نتائجه في عددها الصادر يوم الثالث من مارس الجاري، سلط الضوء على عدد من الإشكاليات التي تجعل القطاع الخاص بيئة طاردة وغير جاذبة للعمل بالنسبة إلى كثير من المواطنين، وفي مقدمتها ساعات العمل الطويلة، وضعف العائد المالي، وقلة الإجازات الأسبوعية والسنوية، وضعف الأمان الوظيفي، كما أن فرص الترقي أبطأ في القطاع الخاص منها في القطاع الحكومي، بالإضافة إلى عوامل أخرى يظل فيها القطاع الخاص أضعف من القطاع الحكومي، ومن بينها التدريب والتطوير الوظيفي والوجاهة الاجتماعية. وغيرها من العوامل التي كشف عنها المسح الذي سبقت الإشارة إليه. هذه الإشكاليات تفسر لماذا لا يمثل العمل في القطاع الخاص أولوية لدى نسبة كبيرة من الشباب المواطن، كما يتوافق مع الإحصاءات الرسمية التي تشير إلى تدني نسبة التوطين في هذا القطاع، فوفقاً لبيانات العاملين المسجلين في وزارة العمل لعام 2013، فإن نسبة التوطين في القطاع الخاص هي 0,65%، هذا في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة إلى رفع هذه النسبة بحلول عام 2021 إلى عشرة أضعاف. وإذا كانت دولة الإمارات العربية المتحدة تولي أهمية متقدمة لدعم القطاع الخاص، وتقدم له كل أنواع الدعم وتمنحه دوراً أكبر في مختلف الأنشطة الاقتصادية، فإن هناك مسؤولية على هذا القطاع للإسهام في تنفيذ سياسة التوطين، ليس لأنه أصبح شريكاً رئيسياً في عملية التنمية، وعليه دور مهم في تنفيذ توجهات الدولة وسياساتها المختلفة وفي مقدمتها سياسة التوطين فحسب، بل لأن القطاع الحكومي، الذي كان بمنزلة الملاذ الرئيسي لتوظيف المواطنين طوال السنوات الماضية، لم يعد كذلك أيضاً بعد تشبّعه من الوظائف، وتزايد أعداد طالبي العمل من المواطنين فيه. وقد اتخذت الإمارات في الآونة الأخيرة عدداً من الخطوات المهمة لتفعيل سياسة التوطين، وأطلقت عدداً من المبادرات النوعية في هذا الشأن، كمبادرة «أبشر» التي جاءت تنفيذاً لتوجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وهي المبادرة التي ترمي إلى توفير 20 ألفاً و405 وظائف للمواطنين حتى عام 2017، من خلال توفير فرص وظيفية حقيقية لهم، ضمن شراكة استراتيجية وتعاون تام مع القطاع الخاص والجهات الحكومية. وإذا كان التوطين هو توجه استراتيجي للإمارات يتعلق بالعديد من الاعتبارات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية، فإن هناك ضرورة للتعامل مع هذا الملف من منظور شامل، والعمل على حل الإشكاليات المرتبطة به، عبر العمل على محاور عدة، في مقدمتها: أولاً، تعزيز الدور الذي يقوم به القطاع الخاص في سياسة التوطين، عبر تفكيك الإشكاليات التي لا تجعله جاذباً للمواطنين وإيجاد حلول لها، وخاصة فيما يتعلق بالأمان والترقي الوظيفي. ثانياً، التحرك نحو سد الثغرات التي تتهرب منها بعض مؤسسات القطاع الخاص من الالتزام بمسؤوليتها في التوطين، بلجوئها إلى ما يسمى «التوطين الشكلي»، الذي تقوم من خلاله بتوظيف المواطنين في مواقع دنيا أو قليلة الأهمية بزعم نقص الخبرات، من دون أن تهتم بعد ذلك بتنمية المهارات الوظيفية لهم ومساعدتهم على الارتقاء في السلم الوظيفي. ثالثاً، الوعي بأن التوطين لا يعني إيجاد فرص عمل للمواطنين الباحثين عن عمل فقط، برغم أهمية ذلك، لكنه يعني معالجة جميع القضايا ذات الصلة بسوق العمل أيضاً، مثل قضية خلل التركيبة السكانية وغيرها من القضايا المتشابكة، التي ترتبط بخطط التنمية وأهدافها في الحاضر والمستقبل. ـ ـ ــ ـ ـ ـ ـ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.