هيمن حزب «المؤتمر» الوطني على السياسة الهندية معظم الفترة التي تلت الاستقلال عام 1947. وقدم الحزب للهند ثلاثة رؤساء وزراء من نهرو إلى أنديرا غاندي، أول امرأة تتولى منصب رئيس الوزراء، ثم راجيف غاندي. والعام الماضي، خسر الحزب كل الانتخابات تقريباً بدءاً من الانتخابات البرلمانية في مايو الماضي إلى طائفة من انتخابات مجالس الولايات. وكان أحدث الخسائر أن الحزب القديم العظيم الذي كان صاحب الهيمنة في العاصمة نيودلهي لم يفز بمقعد واحد في انتخابات مجلس نيودلهي. ومثلت الهزيمة انتكاسة أخرى لرئيسة الحزب سونيا غاندي ونائبها راؤول غاندي. ومنذ وقوع الهزيمة تعرضت قيادة «سونيا» و«راؤول غاندي» لانتقادات كثيرة. لكن رغم المآخذ عليهما، مازال «آل نهرو» و«غاندي» ينظر إليهم على نطاق واسع باعتبارهم القادة الطبيعيين لحزب «المؤتمر»، ولذا لن يؤيد غالبية زعماء الحزب وأعضاؤه فكرة تخلي «آل غاندي» عن القيادة لأنهم يعتقدون أنه من دونهم سيشيع الارتباك والتفكك في الحزب. ومشكلة الحزب أن الجميع مستاؤون منه، الأغنياء والفقراء والطبقات العليا والدنيا والأقليات. وهناك انفصال بشكل خاص اليوم بين الطبقات الوسطى الحضرية الجديدة وتأكيد الحزب على الرفاهية، الذي لم يجد صدى لدى الهنود الأصغر سناً. ورسالة الحزب التي تركز أكثر على الدفاع عن برامج الرعاية الاجتماعية للفقراء، لا تجد صدى عن أبناء الطبقة الوسطى التي يتزايد انشغالها بالصعود الاقتصادي. ومن المثير للسخرية أن الحزب خسر دعم الطبقات الوسطى، وخسر دعم الأقل تعليماً والأقليات أمام الأحزاب الإقليمية. وما لم يبن الحزب قاعدته وسط هذه الجماعات ووسط فقراء المدن، فمن المحتمل أنه سيتقلص أكثر. وأفول وانهيار حزب «المؤتمر» قصة مثيرة. فقد وصل الحزب إلى أدنى مستويات نفوذه في السياسة القومية. والسؤال المهم يتعلق بقدرة الحزب على التعافي وتجديد حيويته وإعادة تنظيم قواه وأفكاره وطاقاته. ويواجه حزب «المؤتمر» معضلة بنيوية على جبهات عدة، منها الضعف التنظيمي والركود الأيديولوجي وتقلص الدعم الاجتماعي. فقد كان الحزب في مرحلة من المراحل ديمقراطياً رائع التنظيم يدير آلة سياسية فاعلة. ومنذ السبعينيات تفكك تنظيم الحزب بشدة في معظم الولايات. وهذا يرجع أساساً إلى أنديرا غاندي التي بذلت جهداً منهجياً لتغيير الحزب ليصبح منظمة سياسية مركزية. ومنذئذ لم يتم الاهتمام بإعادة تنظيم وإحياء الحزب. وبين عامي 2004 و2014 لم يفز الحزب بالانتخابات العامة مرتين فحسب، بل حكم لفترتي ولاية كاملتين، وفاز في انتخابات مجالس 21 ولاية. لكن لا أدلة على أن الحزب قادر على استخدام مهاراته في السلطة لبث الحيوية في تنظيمه. وبدلاً من هذا، دعم في السنوات العشر الماضية زعماء بلا جذور ودون قاعدة دعم شعبي قادرة على النمو والصمود بسبب سياسات التحالف. واعترف «راؤول غاندي» بهذه الحالة المروعة في الحزب عام 2013 عندما قال إن الحزب أصبح «في حالة سبات. ولا يكاد يكون لديه زعيم واحد ذو عقلية حديثة. المؤتمر لم يفلح في أن يصبح مؤسسة سياسية حديثة». وكي يطبق وجهات نظره بشأن كيفية ترتيب أولويات إعادة تنظيم الحزب، لم يحضر «راؤول» جلسات البرلمان لمدة أسبوعين ليمعن التفكير ويمضي قدماً في إدخال مواهب جديدة وزعماء إقليميين أصحاب جذور قوية محلياً لتوسيع وتعزيز قاعدة دعم شعبي قادرة على الصمود أمام أحزاب المعارضة. وجاء حزب «بهاراتيا جاناتا» بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى السلطة بأغلبية ساحقة في مايو الماضي. لكن منذ ذاك الحين، ذهب البريق عن «مودي» وانكشف عنه الغطاء. وهذا لأن «مودي» جاء للسلطة محمولاً على توقعات هائلة بأنه يستطيع إصلاح المشكلات التي تواجه البلاد من تعزيز النمو الاقتصادي إلى إدخال إصلاحات صعبة. لكن «مودي» لم يستطع تحقيق توقعات الشعب. وسقوط حزب «المؤتمر» ليس وخيماً على السياسة الهندية فحسب، بل على الديمقراطية أيضاً. فمن الخطير أن يسيطر على السياسة في أكبر ديمقراطية في العالم حزب واحد. وقراءة التاريخ تعلمنا أنه من السابق لأوانه الحكم بزوال حزب «المؤتمر»، وأن من غير الحكمة التقليل من خطورة التحديات السياسية التي تواجهه في هذه المرحلة من مسار ديمقراطية الهند. ويتعين على الحزب إعادة بناء نفسه باعتباره بديلاً موثوقاً به لحزب «بهاراتيا جاناتا». واستمرار الحزب في ظل آليات سياسية شديدة التغير مشروط بتأكيده على القيم الديمقراطية الاجتماعية للرفاهية والتعدد. رئيس مركز الدراسات الإسلامية-نيودلهي