تعتبر اليمن هي آخر دول الشرق الأوسط التي تسقط في الفوضى نتيجة الصراع الطائفي. وقد أدت الإطاحة بالرئيس عبد ربه منصور هادي من قبل المتشددين الحوثيين المدعومين من إيران، إلى مواجهة في العاصمة صنعاء، حيث يحتفظ هادي بدعم البرلمان الذي رفض حتى الآن قبول استقالته. ويحظى «هادي» أيضاً بدعم دول مجلس التعاون الخليجي التي تشعر بالقلق حيال التدخل الإيراني في شؤون دولة عربية مهمة أخرى. أما جارة اليمن، وهي المملكة العربية السعودية، فقد علّقت المساعدات المالية التي تقدمها للحكومة اليمنية الفقيرة. وهذا قد يعني أنه ما لم تكن إيران على استعداد للتدخل وتصبح الممول لليمن، فإن البلاد ستنزلق في فوضى مالية وسياسية. وقد جعل انخفاض أسعار النفط من الصعب بالنسبة لإيران مواصلة تقديم المساعدات المالية للجماعات الأخرى التي تدعمها في الدول العربية، ومن بينها سوريا ولبنان والعراق. وبينما تواصل الأزمة اليمنية تطورها، فإن المملكة العربية السعودية تبذل جهوداً حثيثة لاستكمال السياج الحدودي للحيلولة دون دخول النازحين اليمنيين الذين يسعون للحصول على حياة أفضل خارج بلدهم الذي أصبح مثالًا للدولة الفاشلة. وفي حين أن الأمر قد يستغرق وقتاً طويلًا لإنهاء هذا السياج الحدودي المهم، فإن الرسالة التي يبعث بها واضحة: وهي أن المملكة ستكون في المستقبل أكثر يقظة واستعداداً لحماية حدودها مقارنة بما كان عليه الحال في الماضي. وما هذا إلا مثال واحد للعديد من الأسوار والجدران التي أقيمت خلال السنوات الماضية الأخيرة في منطقتي الشرق الأوسط وجنوب آسيا، بغية السيطرة بشكل أفضل على حركة المهاجرين غير الشرعيين الذين يبحثون عن عمل أو يحاولون نيل حق اللجوء أو الانخراط في عمليات إرهابية ضد بعض الدول في المنطقة. لكن بعيداً عن هذه الاعتبارات السياسية والأمنية والاقتصادية المباشرة، والمهمة بطبيعة الحال، فإن عدداً من دول الشرق الأوسط تواجه تحديات رهيبة فيما يتعلق بنقص مواردها الطبيعية، خاصة المياه العذبة. وفي ظل عدد سكانها الذي يبلغ 26 مليون نسمة، وانتقال الكثير من سكان الأرياف فيها إلى المدن خلال العقود القليلة الماضية، فإن اليمن أزمة مياه تؤثر بالفعل على معظم سكانها بصورة يومية حادة. وفي المدن، حيث جفت آبار عديدة، أصبح السكان يستقبلون المياه من السلطات العامة كل تسعة أو خمسة عشر يوماً. أما في المناطق الريفية، فإنه يتعين عليهم السير عدة كيلومترات لجلب بضع لترات من المياه. وبالنسبة للسكان الأكثر ثراءً، فهم يبتاعون المياه من باعة مستقلين. ويتعلق جزء من المشكلة بالتأثير المتزايد للتغير المناخي على المستويات السنوية لهطول الأمطار، بيد أن الكثير من الصعوبات تتعلق بسوء إدارة المياه وندرة الأموال العامة اللازمة لبناء محطات التحلية ونقل المياه العذبة من السواحل إلى المدن. ومن بين المشكلات أيضاً إدمان اليمنيين على نبات القات المخدر. والقات نبات يتم مضغه ويستخرج من أشجار تنمو بسرعة، لكنها تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه كي تينع وتنمو. ويزداد الطلب على هذا المنتج الذي يعد محصولًا نقدياً يمكن حصاده وبيعه في يوم واحد. ولذلك، فإن المزارعين لديهم حافز كبير لمواصلة زراعة أشجار القات، وبذلك فهم يساهمون في استنفاد إمدادات المياه الجوفية. أما الأزمة الأخرى التي تلوح في الأفق فهي أزمة العاصمة صنعاء التي يبلغ تعداد سكانها 2.5 مليون نسمة. وهي مدينة داخلية تقع على ارتفاع 2300 متر من سطح البحر. وحتى إذا تم إنشاء محطة لتحلية المياه لتزويد صنعاء تحديداً بالمياه العذبة، فإن تكاليف نقل المياه من الساحل إلى المدينة ستكون باهظة. ومع وجود إدارة مناسبة للمياه، ستكون هناك فرصة لتأجيل ما يعتقد كثيرون أنه قرار لا مفر منه لنقل سكان صنعاء إلى العيش بمناطق أكثر قرباً من الساحل. بيد أن التداعيات السياسية لمثل هذا القرار ستكون هائلة حتى، وإن كانت اليمن لديها حكومة مستقرة وقادرة وممولة تمويلا جيداً. ولسوء الحظ، تظل البلاد في خضم حرب أهلية وتظل أجزاء من أراضيها تحت سيطرة ونفوذ تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية». وريثما يحقق اليمن شكلا مناسباً من أشكال الوحدة، فإن عنف اليوم سيتبعه أزمات مياه طاحنة ستكون هي نفسها الحافز لاندلاع مزيد من الصراع.