من يتابع البيانات التي تصدرها تنظيمات إرهابية عقب أحداث القتل والتخريب والتدمير، التي ترتكبها في مصر يجد أنها صارت عديدة، وهي إن كانت تنهل من معين واحد غارق في الدم والهلاك والظلام والتبلد الإدراكي وانعدام المشاعر الإنسانية السوية، فإنها تتوزع على مهمات قذرة متباينة في شكلها وإن توحدت في جوهرها، أو مقصدها الأخير. وهذه التنظيمات ترى أجهزة الأمن، وبعض المنشقين والتائبين من جماعات «السلفية الجهادية» أنها تابعة لجماعة «الإخوان» أو نابعة منها، أو مستفيدة من الغطاء السياسي الذي توفره لها، أو من الدعم المادي الذي تمدها به، وهي تشمل: «أنصار بيت المقدس» الذي يتمركز في سيناء ويمد عملياته إلى أماكن في الوادي العامر بالبشر، و«أجناد مصر» الذي يستهدف قوات الجيش والشرطة تحت شعار «القصاص حياة»! وهناك تنظيمات تسمى نفسها «المقاومة الشعبية» و«أبطال ضد الانقلاب» و«مجهولون ضد الانقلاب» و«العقاب الثوري» و«حركة حسم» و«ثوار بني سويف».. الخ. وقد وصل حصاد عمليات هذه التنظيمات الإرهابية ضد المدنيين منذ إسقاط حكم «الإخوان» في الثالث من يوليو 2013 إلى الآن 615 شهيداً، و3871 مصاباً بجراح متفاوتة، وتخريب 7510 منشآت وممتلكات خاصة، بخلاف شهداء الجيش والشرطة ومؤسساتهما. وبعيداً عن العناوين العامة، والتفسيرات النمطية التي يطلقها المتعجلون والمستسهلون في وسائل الإعلام، مقروءة ومسموعة ومرئية، حول الموجة الخامسة من الإرهاب التي تواجهها مصر في الوقت الراهن، يجب أن نفتح باب النقاش حول تفكير مختلف، ونعدد احتمالات يتم تجاهلها أحياناً، حول طبيعة الإرهابيين وخلاياهم وتنظيماتهم الطافية على السطح، أو الغاطسة في كمون وتحايل إلى حين، حتى يكون بوسعنا أن نتغلب عليهم، أو نقلل خطرهم إلى أدنى حد. فمن الظاهر أن الساحة الاجتماعية المصرية أصبح فيها الآن عدد من التنظيمات التكفيرية الصغيرة، فالخلافات التنظيمية والفقهية طالما قادت على مدار السنوات الماضية إلى انشقاقات داخل التنظيمات والجماعات المتطرفة بما أوجد تنظيمات صغيرة، محدودة الانتشار الجغرافي ضعيفة الإمكانيات حديثة النشأة لا تملك رصيداً كبيراً من الإطار الفقهي النظري الذي يبرر وجودها ويحدد علاقاتها بالمجتمع والدولة والجماعات الإسلامية الأخرى. ومن ثم اختفى أغلب هذه التنظيمات بعد مواجهة أمنية حاسمة أو القبض على قادتها، وبعضهم عاد إلى الحياة الحركية مرة أخرى بعد الخروج من السجون، وإفراج سلطة «الإخوان» ومن قبلها المجلس العسكري الذي حكم مصر بعد الإطاحة بحسني مبارك عن العديد من قيادات هذه التنظيمات، ممن كانوا يقضون فترات محكوميتهم بالسجون. وبالعودة إلى الذاكرة يمكن أن نعدد هنا من هذه الجماعات الهامشية، التي عرفتها مصر في تسعينيات القرن العشرين: تنظيم «السمني» و«الأهرام» و«جهاد الساحل» و«الواثقون من النصر» و«الغرباء» و«تنظيم أحمد يوسف» و«الفرماويون» و«الناجون من النار» و«الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» و«التكفير الجديد» و«أبناء الصعيد» و«النذير» و«التوحيد»، و«الشوقيون»، و«جماعة الفتح» و«الخلافة» و«جنود الرحمن» و«العصبة الهاشمية» و«مجموعة التسعين»، و«القصاص العادل»، و«القرآنيون» و«الجهاد الصحيح»، و«السماويون»، و«القطبيون»، وغيرهم. وهناك تقديرات بحثية وأمنية وصلت بعدد هذه الجماعات وقتها إلى سبعين تنظيماً على الأقل. ومن المؤكد أن الإرهاب سينكسر على إرادة المصريين، مثلما انكسرت موجاته الراحلة منذ أن بدأ «التنظيم الخاص» لـ«الإخوان» عنفه الدموي في أربعينيات القرن المنصرم وحتى مراجعات تنظيم «الجماعة الإسلامية» مع مطلع القرن الحالي. سينكسر لأن «الجريمة لا تفيد» و«الإرهاب لا يجدي» بل يزيد من متانة وارتفاع الجدار النفسي العازل بين هؤلاء، وكل من يشجعهم أو يتواطأ معهم، وبين عموم المصريين، الذين كانوا يتوقعون مثل هذه السلوكيات الدموية والهمجية من التكفيريين والإرهابيين، بل إن بسطاء الناس كانوا يقدرون أن إسقاط حكم «الإخوان» لن يمر بلا ثمن، لكنه في نظرهم ثمن بخس إن قيس بترك هذا التنظيم في السلطة وقتاً إضافياً، يسمح له بمصادرة مستقبل مصر كله، بعد أن تتم «أخونة» جهازها الأمني والبيروقراطي والإمساك برقبة جيشها وتحويله إلى «جيش عقائدي» أو تكوين مليشيات مسلحة أو «حرس إخواني مسلح»، يدافع عن استمرار حكمهم، ويقمع معارضيهم ومخالفيهم، وقد كان «الإخوان» على بعد خطوات قليلة من تنفيذ هذه الخطة، لولا وقوف الشعب المصري يقظاً في وجوههم، ولهذا لم يكن من المستغرب أن يكون السؤال الأهم الذي طرحه عموم الناس قبل نزولهم بالملايين لخلع «الإخوان» من الحكم: متى نسترد مصر؟ وهذا ما لا يريده الإرهابيون بأفعالهم الدموية والتخريبية المتنوعة.