يرجع بنا كتاب «نهاية الآبرتايد.. يوميات ثورة»، لمؤلفه روبن رينويك إلى أجواء الصراع في جنوب أفريقيا بشأن تحديد مستقبلها والتهافت الدولي الذي أعقب انهيار نظام التمييز العنصري، لاحتكار الفضل في ذلك ونسبه لقوى عالمية بعينها. والحقيقة أن الكتاب لا يخرج هو أيضاً عن محاولات نسب الفضل إلى بريطانيا، فالمؤلف الذي شغل منصب سفير لندن في جوهانسبيرج أواخر الثمانينيات عندما كان نظام الفصل العنصري يعيش أيامه الأخيرة، سعى قدر مستطاعه لدفع التهم، أو «الصورة الخاطئة» التي التصقت بمواقف رئيسة الحكومة البريطانية وقتها، مارجريت تاتشر، إذ درج منتقدوها على القول: إنها لم تبدِ حماساً كبيراً لانعتاق جنوب أفريقيا من حكم الأقلية البيضاء، وأنها بالأخص تحفظت على نظام العقوبات الاقتصادية الذي فرض على نظام الفصل العنصري.. لذا ينبري المؤلف لتبديد هذه الصورة وجلاء ما يراه «حقيقة» ظلت غائبة عن الأذهان. ويبدأ الكاتب بدوره الشخصي عندما كان سفيراً لبلاده هناك، حيث يقول إنه كان دائم التنقل بين القوى السياسية الرئيسية، سواء تعلق الأمر برئيس الوزراء المتعنت «بي دابليو بوتا»، الذي أبدى مواقف متصلبة إزاء مطالب الأغلبية الأفريقية ورفض التعامل مع «حزب المؤتمر الأفريقي» الذي كان زعيمه نيلسون مانديلا في المعتقل، أو تعلق الأمر بخلفه الأقل تعصباً «دي كلارك» الذي كان آخر رئيس لحكومة الآبرتايد. لكن الكاتب، وهو يدافع عن سياسات بلاده في جنوب أفريقيا، لم يتردد في الكشف عن بعض الحقائق، منها أن النضال المتواصل للأفارقة والديناميات السياسية الداخلية غالباً ما تم تهميشها في القراءات اللاحقة لقصة تحرر جنوب أفريقيا، والسبب- كما يقول- تلك الرغبة لدى قوى عالمية لإبراز دورها. فمن جانبها سعت بريطانيا إلى تأكيد مساعدتها للنضال الأفريقي والوقوف إلى جانبه، كما سعى الأميركيون أيضاً إلى تسجيل مواقفهم الإيجابية من الحركة المناهضة للفصل العنصري. والحال، يقول الكاتب، أن ما جرى في جنوب أفريقيا من تقويض لنظام الآبرتايد كان بالأساس وليد ديناميات داخلية. فالعقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة، والتي رفضت أميركا دعمها، لم يكن لها الأثر المتخيل على النظام الحاكم، بل رسخته داخلياً وساعدته على الانكفاء والتنصل من التزاماته الحقوقية. غير أن ما قلب المعادلة، يقول المؤلف، هو التغير الداخلي في نظام الحكم، فبعد تقلد «بوتا» الحكم، وكان رافضاً للتحاور كلياً مع «المؤتمر الأفريقي»، تدهورت العلاقات بين المكونات السياسية للأقلية البيضاء، ولم يبدأ الانفراج إلا بعد اعتلال صحة «بوتا» وتولي «كليرك» السلطة بعده. هذا الأخير أدرك أن نظام الفصل العنصري لم يعد قابلا للاستمرار، ليس بسبب الضغط الدولي، بل بسبب تململ مواقف البيض أنفسهم، وانخراط صحف محلية ناطقة بالإنجليزية، ومعها بعض الشخصيات المحسوبة على الأقلية البيضاء، في انتقاد ممارسات الأقلية الحاكمة. هذا فضلا عن الواقع الديمغرافي الذي لم يعد يسمح بمواصلة حكم الأقلية البيضاء. وفي جميع الأحوال يخلص الكاتب إلى القول بأن تفاعل العالم مع إطلاق سراح مانديلا وتوليه الرئاسة بعد ذلك، وما سبقه من تعديلات مهمة على الدستور وإطلاق دينامية التحول، لم يكن سوى رد فعل طبيعي وتلقائي لا يمكن الركون إليه في تفسير التحرر. كما أن القول بعدم وقوف تاتشر ضد الآبرتايد ما كان ليغير شيئاً طالما أن الحراك الداخلي وتضحيات السود في جنوب أفريقيا هي ما كان له الدور الأبرز في سقوط نظام الفصل العنصري والانعتاق من ربقة الظلم والاستبداد. زهير الكساب الكتاب: نهاية الآبرتايد.. يوميات ثورة المؤلف: روبن رينويك الناشر: بايت باك بابليشيج تاريخ النشر: 2015