الحقيقة الفاقعة التي نواجهها اليوم في عهد «داعش» المتسم بالاضطراب والقلاقل هو ما عبر عنه الكاتب «جراييم وود» في مقاله المطول بمجلة «ذي أتلانتيك»، قائلاً «يمكن الاستنتاج أن رفض السلام هو أحد مبادئ دولتهم، وأن التنظيم يتوق للإبادة، وأن الآراء الدينية لمنتسبيه تجعل التنظيم مؤسسياً غير قادر على إدخال تعديلات على نفسه، حتى لو كان ذلك التغيير يخدم استمراره»، هذا أيضاً هو التحدي الكبير الذي يواجهه العالم المعتدل وهو يرى كيف يتوافد أبناؤه من الصبية والفتيات إلى المناطق التي تسيطر عليها «داعش» في العراق وسوريا للمشاركة في المعارك. «أودري كروث كورنين» في مجلة «فورين أفيرز»، عبرت عن هذه المعضلة التي تؤرق الغرب حالياً، قائلة: «يجتذب التنظيم الأتباع التواقين ليس فقط إلى نوع من الاستقامة الدينية، بل أيضاً إلى الباحثين عن المغامرة، وتحقيق السلطة والذات والشعور بالانتماء، وبالطبع هناك من يريد فقط القتل». وقد تعتقد الولايات المتحدة وحلفاؤها في الشرق الأوسط أنهم إزاء ما يشبه لعبة الفيديو بالنظر إلى تقنيات التصوير العالية التي يلجأ إليها التنظيم، وكذا استخدامه الجيد لوسائط التواصل الاجتماعي، لكن الفظاعات التي يرتكبها «داعش» هي حقيقة واقعية بعيدة عن الخيال. وكما فشل الرئيس جورج بوش وإدارته في توقع هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فإن إدارة أوباما أيضاً أخفقت في الاعتراف بصعود الوحش الذي يسمى «داعش»، ولم يستفق الغرب والولايات المتحدة إلا عندما أعلن أبو بكر البغدادي في شهر يونيو من السنة الماضية قيام «الخلافة» التي اختفت منذ تسعين عاماً بسقوط الدولة العثمانية. ومهما تكن الأخطاء التي ارتكبت في التعامل مع «داعش» يبقى الأهم عدم ارتكاب أخطاء أخرى في التصدي لها، فرغم أجواء التشاؤم الطاغية على بعض المحللين، إلا أن كل الأصوات الحصيفة تتفق على أن أي حرب برية تقودها أميركا ضد معاقل التنظيم، لن تؤدي سوى إلى صب المزيد من الزيت على النار المستعرة، لتبقى الاستراتيجية الوحيدة الممكنة تقديم الدعم للحلفاء المسلمين في المنطقة لاحتواء «داعش» ومنع استيلائها على المزيد من الأراضي، ثم حشرها في زاوية تجعلها تنهار من داخلها بعد أن تفشل في التوسع وتحقيق حلم «الخلافة». -------- ستيف بول، محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون ميديا سيرفس»