ما كان «الجمهوريون» قادرين على الوفاء بتعهدهم الذي قطعوه أمام الناخبين بممارسة الحكم الرشيد في الكونجرس وبإدارة جيدة لمجلسيه بمنأى عن التطورات الأخيرة التي شهدها الأسبوع الماضي، بل كانت ضرورية وحتمية للالتزام بالوعد، والحديث هنا عن الجدل الذي صاحب عملية تمويل وزارة الأمن الداخلي، لكن السؤال اليوم هو ماذا سيحصل لاحقاً؟ بحيث ستُلقي الأحداث القريبة المقبلة الضوء على المدى الذي يمكن للجمهوريين الذهاب إليه لإثبات قدرتهم على الحكم وليس فقط المعارضة، وبالطبع سنحت أول فرصة، أو محك لإثبات ذلك في الصراع حول تمويل وزارة الأمن الداخلي، فرغم الملامح العامة المعروفة للتمويل لدى «الجمهوريين»، والتي تعود إلى العام 2010، إلا أن التيار المحافظ داخل الحزب والمعروف باسم «حزب الشاي» سعى إلى الضغط على قيادة الحزب في مجلس النواب، وتحديداً على زعيم الأغلبية، جون بوينر، لرفض التمويل عقاباً للرئيس أوباما الذي أصدر في وقت سابق أمر رئاسياً حول قانون الهجرة يمنح من خلاله عفواً شاملاً لحوالي خمسة ملايين مهاجر غير قانوني ويعطيهم فرصة تسوية أوضاعهم. لكن المشكلة بالنسبة لـ«الجمهوريين» المعتدلين وعلى رأسهم «بوينر» نفسه أنه لا يريد الانخراط في هذه اللعبة، فرغم الفوائد التي سيأتي بها الوقوف في وجه مشروع قانون تمويل وزارة الأمن الداخلي لجهة تعزيز شعبيته لدى القاعدة الحزبية المحافظة، إلا أنه يعرف أيضاً أن الأمر ليس مفيداً من ناحية اللعبة السياسية، والسبب ببساطة أن رفض التمويل، وطرح بديل عن قانون الهجرة، لن يمر أبداً في الكونجرس لعدم توفر الأصوات اللازمة، وحتى إذا وجد طريقه إلى مكتب أوباما لابد أن هذا الأخير سيرفضه، وهو ما يعيدنا إلى أجواء انتخابات شهر نوفمبر الماضي عندما لعب «حزب الشاي» دور المعرقل لتمويل الحكومة وكاد يؤدي إلى إغلاق أنشطتها بالكامل، وهكذا أحدث الجمهوريون يوم الجمعة الماضي فوضى عارمة في الكونجرس، لا سيما الذين ينتمون منهم إلى الجناح المحافظ، عندما رفضوا اقتراح زعيم أغلبيتهم في مجلس النواب، «بوينر»، الذي كاد يستسلم أمام تعنتهم ورفضهم تمويل وزارة الأمن الداخلي، والحقيقة أن هذا بالضبط ما يبرع فيه «حزب الشاي»، فهو لا يملك في الكونجرس ما يكفي من الأصوات التي تتيح له تمرير التشريعات، لكنه يتوفر على إمكانية العرقلة وتعطيل التشريعات الأخرى. وبما أن فلسفة «حزب الشاي» تقوم على إسقاط أي تشريع تراه سيئاً باعتبار ذلك أفضل من تقديم تنازلات لتحسينه وجعله أفضل، فإن أعضاء في الكونجرس منخرطون كلياً في تعطيل التشريعات، هذه الفوضى ليست نتيجة عوامل أيديولوجية بقدر ما هي ناجمة عن عمليات حسابية، فقد حملت الانتخابات الأخيرة عدداً أكبر من الجمهوريين إلى مجلسي الكونجرس، معززين بذلك موقف «بوينر» زعيم الأغلبية «الجمهوري»، لكن ليس بما يكفي للوقوف في وجه «حزب الشاي» داخل الحزب الذي يمثل «المحافظين»، لذا وحتى يمرر التشريعات التي لا يطيقها هؤلاء المحافظون عليه الاعتماد على «الديمقراطيين»، وهو ما قام به بالفعل في وضعيات مماثلة عندما يدفع «المحافظون» زعيم الأغلبية بمجلس النواب إلى استخدام صلاحية التمويل التي يملكها الكونجرس كسلاح ضد الإدارة فيفقد الرجل صبره وقدرته على إقناعه طائفة داخل حزبه، ولأنه يرى الكلفة السياسية الباهظة للتعطيل ولا جدوى الصراع، فهو يلجأ مضطراً إلى أصوات «الديمقراطيين»، وهو ما حدث في شهر ديسمبر الماضي لتمرير مشروع تمويل الحكومة الفيدرالية بأكملها (عدا وزارة الأمن الداخلي)، وهي أيضاً الطريقة التي حالت دون التوقف نهائيا للنشاط الحكومي في 2013. ------- مارك سبينفيلد، محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»