حدث ثلاث مرات في العشرين عاماً الماضية أن كان هناك رئيس وزراء إسرائيلي مقدم على انتخابات، بينما يخوض معركة علنية مع رئيس أميركي. في المرة الأولى خسر رئيس الوزراء مما رسخ المقولة السياسية الإسرائيلية القائلة بأن تعريض العلاقات مع واشنطن للخطر مهلك. وفي عام 1999 كان الخاسر هو بنيامين نتنياهو، الذي أخطأ الحساب عندما توقع أنه يستطيع التفوق على الرئيس الأميركي بيل كلينتون بمناشدة الكونجرس. والآن فإن السياسي المعروف بحذره، يقامر بمشواره السياسي وبمستقبل التحالف الأميركي الإسرائيلي معتمداً على نفس الاستراتيجية. وربما ينظر نتنياهو إلى كلمته أمام الكونجرس باعتبارها خطبة دفاعية تعارض طريقة تعامل الرئيس أوباما مع إيران. لكن الكلمة تفترض أيضاً حدوث تغير أساسي في السياسة الإسرائيلية وفي العلاقات الأميركية الإسرائيلية خلال السنوات الخمس عشرة الماضية. وتفترض مناورة نتنياهو أن سياسات أوباما في الشرق الأوسط جعلت الإسرائيليين يشعرون بالعزلة مما يجعل هذا يصب في مصلحة نتنياهو نفسه في انتخابات 17 مارس الجاري، بسبب هجومه المباشر على البيت الأبيض. والرهان يبدو محفوفاً بالمخاطر في بعض نواحيه. وبحسب بحث أجراه جوناثان رينولد من جامعة بار إيلان الإسرائيلية، يعتقد 90? من الإسرائيليين أن العلاقة مع الولايات المتحدة «حاسمة لأمن إسرائيل». وأشارت غالبية إلى أن إسرائيل يجب ألا تتخذ إجراءً عسكرياً ضد إيران دون دعم أميركي. وفي استطلاع أجري مؤخراً انتقد 54? قرار نتنياهو بإلقاء كلمة في الكونجرس. ومن المؤكد أن الإسرائيليين يعارضون سياسات أوباما، فهناك غالبية ترى أنه مخطئ بشأن إيران وبشأن الصراع مع الفلسطينيين. لكن لا يتفوق على الولايات المتحدة إلا الجيش الإسرائيلي عندما سئل الإسرائيليون عما يضمن لهم السلامة. بيد أن نتنياهو يفهم السياسة الإسرائيلية بشكل أفضل. فالانتصار في الانتخابات لا يعتمد على فوز حزب بأغلبية الأصوات فحسب بل على تحقيق الفوز ثم القدرة على تشكيل ائتلاف حاكم. وحالياً، تشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب «الليكود» بزعامة نتنياهو، يسير بمحازاة الكتلة اليسارية التي يتزعمها اسحاق هيرتسوج، ويرجح أن يحصل كل منهما على أقل من 50? من مقاعد الكنيست. وربما يستطيع أي منهما تشكيل ائتلاف من الأحزاب والكتل الأخرى. لذا فإن الفوز بمقاعد أكثر وبالفرصة الأولى حاسم في التوصل إلى اتفاقات. واستراتيجية نتنياهو الانتخابية تستهدف انتزاع ناخبين من الأحزاب الصغيرة. ورغم أنه حتى أكثر الأحزاب يمينية في إسرائيل تؤيد بشدة الولايات المتحدة، فإن الناخبين القوميين أكثر ميلاً لموقف نتنياهو المتشدد تجاه إيران. وربما يكون الإسرائيليون، مثل نتنياهو نفسه، مخطئين في افتراض اتحاد الأميركيين، مثل الإسرائيليين، في دعم التحالف بين البلدين. وربما تحصد كلمة نتنياهو في الكونجرس ما يريده من أصوات لتشكيل حكومة جديدة، لكنها قد توسع الفجوة بين الديمقراطيين، والجمهوريين. وبحسب بحث رينولد، هناك فجوة بين الحزبين الأميركيين، بشأن إسرائيل. فمثلاً يعتقد 62? من الجمهوريين أن الولايات المتحدة يجب أن تدعم إسرائيل إذا هاجمت إيران، بينما هناك 33? فقط من الديمقراطيين يعتقدون هذا. وإذا مني نتنياهو بهزيمة فإن العلاقات الأميركية الإسرائيلية قد تعود بسرعة إلى سابق عهدها كما حدث بعد انتخابات عامي 1992 و1999. وإذا تمخضت الانتخابات عن ائتلاف من الوسط يضم حزبي «الليكود» و«العمل» فقد تهدأ التوترات. لكن إذا نجح نتنياهو وشكل ائتلافاً يمينياً آخر، فإن التحالف الذي كان لب التورط الأميركي في الشرق الأوسط سيمضي نحو حالة من الاضطراب. ---------------- *محلل سياسي أميركي --------------------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»