بثت وسائل الإعلام العربية والدولية فيلماً يُظهر كيفية تدمير محتويات متحف الموصل من قِبل عناصر «داعش»، وكان حقاً مشهداً يضارع ما مر في التاريخ البشري بالوحشية الفائقة التي عرفها الإنسان غير العاقل فيما مضى من عقود وقرون من الزمن. وإذا كان هذا الإنسان قد مارس مثل تلك الوحشية، فإنه كان يمتلك ذريعة تعادل استمرار وجوده عبر الطعام، وهي المحافظة على ذلك الوجود، ليركن بعدها عبر الطعام وهي المحافظة على ذلك الوجود، ليركن بعدها إلى المسالمة. هذا من طرف، ولكن من طرف آخر واجهنا مسوغ ذلك لدى الإعلام «الداعشي»، وهو أن ما دمروه لم يكن إلا أصناماً من حجر وطين، لا تستحق الأماكن التي حُفظت فيها. أما الزعم الذي قُدّم تسويفاً للفعل البربري الذي قام به «داعش» فيطرح سؤالاً تتحول الإجابة عنه إلى إدانة هائلة وإلى فضيحة شائنة بحق الإسلام، فهؤلاء «المدافعون» عن الإسلام هم برابرة جهلة بالإسلام هذا، فكأنهم لم يعلموا شيئاً من التكريم «الإلهي» للإنسان، أي لـ«الذات أو النفس» الإنسانية، والآية القرآنية المعنية هنا يمكن أن تمتلك موقعاً مجيداً وحافلاً بالفضائل والانتصارات لمنظومة «حقوق الإنسان» من عام 1948، وذلك عن منظمة الأمم المتحدة الدولية. أما الآية الكريمة المعنية هنا فهي التالية: «من قتل نفساً بغير حق، فكأنما قتل الناس جميعاً»، واللافت هنا والطريف على صعيد علم المنطق يتمثل في كون الآية المذكورة لم تحدد عينياً المرحلة التاريخية المشخصة التي تمثل حاضنة لفعل مقاضاة فاعل القتل، وإنما تركت الدلالة تنسحب على كل الأحوال التي يتم فيها مثل ذلك القتل. وها هنا يتلاحم العام بالخصوصيات ويبقى عادلاً، ففعل القتل من دون حق ينسحب على كل فاعلي القتل، حيث يكونون قد تعرضوا بالقتل (وإن بدليل غائب) للناس جميعاً. لقد تعرض «الداعشيون» للناس بالقتل، وللآثار التاريخية بالتدمير، فجمعوا بذلك بين جريمتين اثنتين تشتركان في كونهما مُنتميتين للبشر وتاريخهم، وهذا بحد ذاته رذيلة تدخل في حقل الظلامية، فيكون التاريخ بما فيه قد غاب عن قراءة البشر له نقدياً لصالحهم. ويكون السباق بينه (أي التاريخ) وبين الحاضر قد غُيب، مما يُفقد البشر أريكتهم ليظهروا كأنهم لقطاء. إن ذلك الذي أتينا عليه يمتلك مصداقيتين اثنتين، تنطبق أولاهما على التاريخ البشري العالمي كله، في حين تنطبق الثانية على التاريخ العربي والإسلامي، وإذا علمنا كم أهمل التاريخ المذكور من أهله لأسباب متعددة وبصورة أخرى فاقعة من قِبل الانحياز في الغرب بدءاً بالعصور الوسطية وانتهاء بالعولمة، فإن صورة سوداء أو رمادية تكونت حولت ليأتي الآن «داعش» ويحاول الإجهاز عليها.