نقلتنا التطورات الأخيرة في دوائر «الإرهاب العالمي» من مجرد الصراع الديني أو الحضاري، أو معالجاته «بالحوار الثقافي.. إلخ» إلى مجال «عولمة» الإرهاب بآلياته المتقدمة أحياناً كثيرة عن جيوش المواجهة في دول المعاناة، ومجتمعاتها الغائبة عن هذه المواجهة نفسها! وفي مجال «عولمة الإرهاب» وآلياته الحديثة، اكتشفنا أدوار الدول الكبرى التى تدير هذا الموضوع بما يربك بالفعل أي تحليل، لاستحالة معرفة منْ مع منْ؟ وينطبق ذلك على مختلف الجماعات الإرهابية من «داعش» في «كوباني» شمال سوريا إلى جماعة «بوكو حرام» في «شيبوك » شمال نيجيريا! مع وهم استحالة مقاومة الجيوش «العالمية» لهذه الحشود «الصغيرة» المعادية! نقلتني تطورات الموقف في نيجيريا إلى الرغبة في العودة للاعتبارات المحلية حول إرهاب «بوكو حرام»، حيث تصارع «المحلي» بقوة الآن بسبب انتخابات الرئاسة، والانتخابات المحلية، ليتداخل مع الإقليمي والدولي على السواء. وقد كان مقرراً إجراء انتخابات «الرئيس» النيجيرى خلال فبراير الحالي، وإذ بالصراعات الداخلية الكبرى تدفع لتأجيلها إلى آخر مارس 2015 لتجري قريبة من المحليات في أبريل، وليبقى السؤال: هل لهذا علاقة بأجواء المعركة مع إرهاب «بوكو حرام»، أو أنه ينقل المعركة من عالم متابعة الأفكار «الجهادية الإسلامية» تجاه رئيس مسيحي أو مسلم، إلى عالم صراعات داخلية متعددة الأركان لا يرد فيها ذكر الإسلام أو المسيحية إلا لماماً! هذا هو أول دروس الحالة النيجيرية التي تقترب كثيراً بالفعل من الحالة العراقية أو السورية أو الليبية، ناهيك عن المصرية! فالمسألة تدخل في المجال العام للسياسة والاجتماع وصراعات القوى داخله، بأكثر مما تتصل – في هذا الداخل – بصراع الدين، الذى يعطي لعصابات الإرهابيين المعولمة فقط فرصة استغلال «المقدس» عند الضرورة، بقدر ما يصمم الحكام على استغلاله. ومن يقترب من التحليل بالصراع الداخلي في مشرقنا العربي، ثم يربط ذلك بالسياسات الإقليمية يخرج بالكثير! لقد قفز العنصر الديني من مجرد عنصر تقليدي أو جهوي في الشمال (الفولا والهوسا) لحمايته من نفوذ الجنوبيين(اليوروبا والإيبو) ليصبح جهادياً، عصابياً يشق الشمال نفسه، إلى محافظات فقيرة (بورنو) وأخرى قادرة (كادونا- كانو)، بل وأصبحت الإقليمية في كادونا الشمالية لمصلحة الكنيسة الكاثوليكية هناك، كما أصبح الإسلام عنصراً جديداً في انقسامات «اليوروبا» الجنوبية الغربية. وبالمثل حدث في جنوب شرقي البلاد، تفجر الفقر إزاء استغلال الأغنياء عموماً في أنحاء البلاد لبترول «دلتا النيجر» في الجنوب، فشكل هؤلاء «الحركة الشعبية لدلتا النيجر»، قادها اليساريون مرة «ويوا» والإسلاميون مرة أخرى «مجاهد أساري دوبوكو» بما لم نسمع بهم في الشمال العربى إلا كمخربين لثروة البترول، أو خاطفي الخبراء الصينيين هناك! وحين هدأت حركة الدلتا الشعبية بعد اختيار الرئيس «جودلك جوناثان» من أبناء الجنوب، ورتبت الصين وغيرها الحماية لأنابيب البترول انتقل الصراع إلى الشمال على يد «بوكو حرام» في تتابع مثير. القوات المسلحة في نيجيريا باتت جزءاً من التكوين الرأسمالي للطبقة الحاكمة، وليست مجرد قوى عسكرية أمام مدنية، وذلك بسبب الاندماج في العملية الاقتصادية بعد السياسية وتوزيع تراخيص استثمار أموال البترول ومشروعات التعمير المرتبطة به، أو بسبب التعليم العالي والتقني الذي برزوا فيه.. ونيجيريا الآن هي السادسة أو السابعة بين منتجي البترول في العالم، كما أنها من الدول الأولى في معدل الفساد! وقد أدت أدوار نيجيريا السابقة كقوة ردع عسكرية لاضطرابات عديدة في غرب أفريقيا (ليبيريا – سيراليون- غينيا) إلى قوة شكيمة وكفاءة العسكرية النيجيرية كقوة دولتية خاصة منذ فترة رئاسة الجنرال «أولوسوجين أوباسانجو». والذين يرون الجنرال «أوباسانجو » الآن أحد حكماء الرؤساء الأفارقة والاتحاد الأفريقي وحجم تدخله في معركة الرئاسة النيجيرية من وراء الجنرال «بوهاري»، يدهشون من تحوله عن دعمه السابق لـ«جودلك» المدني القبلي الذي عبأ له بعض العسكريين عام 2011، ولكنه يرى الآن أن هناك جناحاً عسكرياً آخر (يبدو منافساً له، بينما يريد هو استغلال مواجهة «بوكو حرام» لأغراض سلطوية، فعاد قوياً وراء «بوهاري» ليستعيد مجده شخصياً في قيادة نيجيريا وبمكانتها السابقة في غرب أفريقيا؟ أين «بوكو حرام» إذن من كل ذلك؟ تتحول «بوكو حرام» الآن، من جماعة الشبان الفقراء، الذين يسعون إلى جانب من الحياة الأفضل سخطاً على أثرياء الشمال المسلمين، وباعتبارهم ورثة حركات إسلامية جهادية، بين الفقراء منذ الثمانينات، لتصبح «بوكو حرام» مصدراً لكافة الصراعات، التي تتمدد كقوة عسكرية من شمال نيجيريا إلى ربوع الكاميرون وتشاد والنيجر، بل ومالي، وهو ما حقق نفوذاً لـ«مقاوميها» في نفس الوقت خارج إطار الصراع الديني. وتعتبر تجارة السلاح هي قوة التبادل الأساسية الآن بين العسكريين الداخلين للحلبة وبين فرق «بوكو حرام» من تجار وعسكريين في المحافظات الثلاث أو الأربع التي تسيطر عليها وتحتاج فيها لشراء السلاح من أعدائها العسكريين، أو التمويل عبر الإتاوات من أثرياء آخرين، هذا إذا حسبنا «بوكو حرام» كشأن داخلي، أما تحريك كل ذلك على مسرح غرب أفريقيا والصحراء الكبرى، وتشكيل القوات الإقليمية، وحاجتها للسلاح، وكذا لاستقرار العسكريين في نيجيريا ومالي وتشاد خاصة.. فهذا شأن تحسمه التحليلات على المستوى الآخر!