في رحلة تستغرق تسعة أيام ويتوقع أن تكون حافلة بملفات التعاون، بدأت رئيسة كوريا الشمالية بارك جيون هاي، أمس الأحد، ومن الكويت، جولة خليجية تقودها أيضاً إلى كل من الإمارات والسعودية وقطر. ووفق بيان لمكتب بارك فإن «هذه الجولة تأتي في وقت تسعى فيه سول للاستفادة من طفرة الشرق الأوسط الثانية كمحرك نمو جديد لاقتصاد كوريا الجنوبية الذي يعتمد على الصادرات». وقد مثّل تنشيط الصادرات عنصراً رئيسياً في البرنامج الانتخابي لبارك لدى فوزها بمنصب الرئاسة قبل نحو عامين من الآن. وبارك سياسية من كوريا الجنوبية، ورئيستها الحالية والرئيسة السابقة لـ«الحزب الوطني الكبير» المحافظ، كما أنها ابنة رئيس سابق، وقد تولت منصب الرئاسة عام 2013، لتصبح أول رئيسة لكوريا الجنوبية. وقد ولدت بارك جيون هاي عام 1952 في مدينة دايجو بإقليم دونغ يونغ، وكانت بكر والديها. أنهت تعليمها الثانوي في دايجو عام 1970، ثم تخرجت بشهادة في الهندسة الكهربائية من جامعة «سوجانج» عام 1974. وفي العام التالي التحقت بجامعة غرونوبل في فرنسا، لكنها سرعان ما عادت بعد مقتل والدتها في العام نفسه، لكي تقف إلى جانب والدها الذي اغتيل هو أيضاً في عام 1979. بيد أنها حصلت على شهادة الدكتوراه عام 1987 من جامعة الثقافة الصينية في تايوان. وربما كانت أول أهم خطوة لبارك في الحياة السياسية دخولها البرلمان في عام 1998، ثم قيامها في عام 2010 بزيارة جريئة لكوريا الشمالية حيث تناولت العشاء مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج ايل نفسه. وانتخبت بارك رئيساً لـ«الحزب الوطني الكبير» عام 2004، لتقوده خلال الانتخابات المحلية، عام 2006، حين سقطت من المنصة وأصيبت بجرح في وجهها، مما أكسب الحزب تعاطفاً واسعاً أهله لتصدر الانتخابات. لكن بارك لم تستطع الفوز بترشيح الحزب لانتخابات الرئاسة في ديسمبر 2007، حيث تقدم عليها في الانتخابات الداخلية «لي ميونج باك»، والذي فاز بالسباق الرئاسي أخيراً، ليشهد الحزب خلافات داخلية واسعة عقب قيام «باك» بتشكيل حكومته، حيث اتهمه أنصار «بارك» باستبعادهم منها واحتكار المناصب الحيوية لمقربيه. ورغم بقائها في الحزب، فقد عارضت «باك» وإدارته، وظلت الأكثر شعبية في البلاد، وكان واضحاً أنها المرشح الأوفر حظاً ليكون الرئيس المقبل لكوريا الجنوبية، لاسيما وقد استطاعت استعادة جناحين كانا قد انشقا عن الحزب احتجاجاً على «باك»، كما قادت حملته لانتخابات بلدية سيول في 2011. وإلى ذلك تزعمت بارك التيار الإصلاحي داخل الحزب، وترأست لجنة طوارئ داخلية لإصلاحه، بعد أن شوهت فضائح الفساد صورته. وكانت الخطوة الأولى إجراء انتخابات تمهيدية لاختيار مرشحيه لعضوية البرلمان ومنصب الرئاسة، ثم تغيير اسمه ليصبح «حزب سينوري»، ودمجه مع حزب محافظ صغير آخر، وتغيير برنامجه عبر التأكيد على القضايا الاجتماعية، واعتماد مبدأ «الديمقراطية الاقتصادية» القائمة على ثلاث ركائز: الأمن الاجتماعي، التشغيل، واقتصاد السوق العادلة. لذلك أصبح الحزب يركز على تعزيز دور الحكومة في الاقتصاد لتحقيق أقصى قدر من الكفاءة لاقتصاد السوق، وإقامة سوق عادلة وشفافة، والعمل على تطوير الشركات الصغيرة والمتوسطة، وزيادة الضرائب على المداخيل العالية. وكان ذلك البرنامج يتعارض مع سياسات الرئيس «باك»، الهادفة بالأساس إلى خلق بيئة عمل أكثر ملاءمة. كما أبدت بارك حزماً حيال فضائح الفساد وطالبت باستقالة وزير العدل، لتصبح بذلك أكثر قرباً من المعارضة. وبفضل تلك التغييرات استطاع حزب سينوري الاحتفاظ بأغلبية في البرلمان بحصوله على 152 من أصل 300 مقعداً. وفي ذلك الخضم اكتسبت بارك مزيداً من الشعبية سمح لها أن تصبح مرشحاً مفضلاً لانتخابات الرئاسة. وحين خاضت الانتخابات الداخلية لحزبها، في أغسطس 2012، فازت بنسبة 84? من الأصوات مقابل أربعة مرشحين آخرين. ثم خاضت الانتخابات الرئاسية في مواجهة مرشحين كان أبرزهم «مون جاي في»، الناشط الديمقراطي البارز والمعارض السابق لنظام والدها. وقد ركزت خلال حملتها الانتخابية على الإصلاح الاقتصادي لتعزيز العدالة الاجتماعية. وفي 19 ديسمبر 2012، فازت بنسبة 51.6? من الأصوات، لتصبح أول رئيسة لكوريا الجنوبية وأول رئيسة دولة في شمال شرق آسيا. وفي أول تصريح لها حذّرت الشركات الكورية من تسريح الموظفين. وقد واجهت بارك في بداية ولايتها التصعيد العسكري من جانب كوريا الشمالية، لتتبنى استراتيجية مزوجة، إبداء الحزم حيال أي استفزاز عسكري تقوم به الجارة الشمالية مستقبلاً، والعمل عن كثب مع الولايات المتحدة والصين على احتواء بيونج يانج. أما في الجانب الاقتصادي والاجتماعي فركزت بارك على «الاقتصاد الابداعي»، وأكدت العلاقة بين الصناعة والثقافة، وأعلنت عن خطط للتعافي والابتكار تتضمن تقديم قروض للشركات، التي تزيد حصتها من التصدير ومن سوق العمل. واستجابة لذلك الالتزام الانتخابي، تقوم بارك بجولتها الخليجية الحالية، محاولةً استكشاف سبل تأمين الطاقة للازمة لماكينة الإنتاج الصناعي الكورية، وإمكانات الوصول إلى الأسواق الخليجية أمام مزيد من الشركات الكورية العاملة في مجالات الصناعة والإنشاءات، والتي يمكن أن تحظى بحضور ملحوظ في مشاريع البناء والتطوير والبنى الارتكازية في الدول الخليجية. محمد ولد المنى