يقول المثل العربي المتداول الشائع، من شابه أباه ما ظلم. فالابن سر أبيه، منه يتعلم فنون الحياة، وعلى ساعده يتكئ كي يقوى في مواجهة ظروفها بمرها وحلوها. هذا في الواقع ما يقوله حال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الذي يجسد في شخصه ذلك الحضور القوي والمؤثر والمهيب لوالده الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، شكلاً وسلوكا وطباعاً، وهذا ما عكسته تلك الكلمة التي ألقاها سموه في القمة الحكومية التي لاقت اهتماماً لافتاً وكبيراً. فالشيخ محمد بن زايد هو ابن فارس عروبي لا يشق له غبار، امتشق سيف الشجاعة والفخر ولبس ثوب الحكمة والموعظة حتى غدا حكيم العرب، قبل أن يترجل بقضاء الله وقدره تاركاً إرثاً كبيراً طيباً. ولأن في الابن سر أبيه، فقد نهل الشيخ محمد بن زايد من منهل عذب المذاق، جل الفائدة، فكان بشخصيته الفذة مثالاً للرجل القيادي المؤثر، بشخصيته الهادئة الحكيمة، وما يمتلكه من كاريزما قيادية قوية، شدت إليه أنظار الحضور والمتابعين في القمة الحكومية، التي عقدت في دبي مؤخراً، وكنا من متابعيها، فكانت مداخلته أشبه بورقة العمل والمنهج، وكانت أقرب إلى البرنامج، ففيها ومن خلال حضوره اللافت حدد بوضوح مكامن الأزمة وموضع الخلل، ومكان المشكلة في الوطن العربي، وبيّن على وجه أوضح سبل المعالجة والتصدي لمخاطر الأحداث المحدقة، عبر تحليل منطقي سليم، بعيداً عن العواطف والانفعال والتشنج، ولا يخلو من العلمية، وطرق الاستنتاج السليمة المبنية على الوقائع الملموس والدعائم القوية. وكما هي صفات الرجال، فقد أظهرت الكلمة من سطورها الأولى ذلك التواضع الذي يعكس وراءه نفساً كريمة الخصال، آخذاً من الأب المؤسس حكمته المعروفة، وقربه من الناس، وهو أمر استرعى انتباه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الذي أبدى جل سعادته بالكلمة مؤكداً أنه أخذ من الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حكمته وقربه من أبناء شعبه. وفي كلمته التي يليق بها أن تكون مرجعاً، ها هو الشيخ محمد بن زايد يبرهن على حسن التعامل والخلق الذي رضعه في كنف والده الراحل العملاق، فيبدأ كلمته بتقديم التعازي للحضور في راحل كبير ترك كبير الأثر في النفوس والوجدان، وهو الراحل وفقيد العرب والمسلمين الملك عبد الله بن عبد العزيز «رحمه الله»، حين عدد مناقبه وأثنى على مواقفه، مستبشراً خيراً ومتفائلاً بمستقبل المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي وصفه بالحكيم وصاحب المقدرة والحكمة على قيادة المملكة نحو المستقبل المشرق، وهو ما برهنه في زيارته إلى العاصمة السعودية الرياض، مبرهناً بذلك على عمق العلاقات المتميزة القوية بين الإمارات وشقيقتها الكبرى المملكة العربية السعودية، مثلما استطاع أن يربط بمهارة بين الماضي والحاضر والمستقبل بصورة واقعية إلى حد كبير. وبعيداً عن الشعارات التي لا تجدي نفعاً، أو العاطفية، فقد أبدى احترامه للماضي، حينما استعاد واقعة تاريخية، مشيراً إلى أن أحد الصحافيين قال للأب المؤسس الشيخ زايد إنه يدلل شعبه بصورة لافتة، فما كان منه، إلا أن قال للصحفي إن هناك فارقاً كبيراً بين «الدلع» والترف و«الواجب»، وحنان الأب الحاني تجاه أبنائه وتشجيعهم، وكل ما يفعله تجاه شعبه هو واجب وطني وأخلاقي وإنساني. هذه العبارات التي قالها إن دلت على شيء فإنما تدل، على براعة في التفكير، وحضور ذهني ذكي دائم، لا يخلط بين الأمور، وإنما يبين الأمور بوضوح ودقة، ويميزها باهتمام لافت بعين المبصر. ومن بين اللمحات والكلمات التي أسرت القلوب في كلمته أمام القمة الحكومية، ما أشار إليه في بداية الكلمة حينما قال: «أتقدم بتحية لأخي وصديقي ومعلمي محمد بن راشد ولضيوف الإمارات»، وجاءت إشارة معلمي لتحظى بتصفيق حار في القاعة التي كان يتواجد بها الآلاف من أبناء الإمارات وضيوفها، الذين رأوا في ذلك تعبيراً عن سمو خلق الرجل وتواضعه الجم، وطيب نفسه، وانسجام وتناغم الأفكار بين أبو خالد وأبو راشد. كما جاءت إشادته بتفاني أبناء الإمارات في الخدمة الوطنية، ومبادرات رجال الأعمال في خدمة المجتمع والدولة، لتحظى بإعجاب وارتياح كبيرين لدى أبناء الإمارات، وكل من عرف هذا البلد الفتي المعطاء، الذي حباه الله بقيادة رشيدة حكيمة قل نظيرها. ولأنه ينظر إلى الأمام، بعين المبصر الحكيم المتفائل بالمستقبل كما هي حال كل القيادة في الإمارات لم يكتف الشيخ محمد بن زايد بالربط بين الماضي والحاضر، بل عرج إلى المستقبل، فكان قوله: إنه يريد أخذ الحضور في جلسة القمة الحكومية خمسين عاماً للأمام، أي للمستقبل، وماذا سيكون وضع الإمارات بعد نهاية عصر النفط، وقلة موارد الطاقة التي هي عماد الاقتصاد حالياً، حيث قال إننا سنحتفل بعد خمسين عام بتصدير آخر برميل نفط، ولم يتأسف أو يقل سوف نحزن، كما أشار إلى أن رهان المستقبل ليس نفطاً، بل شباب يتلقى أفضل التعليم والمعرفة، وكشف عن بدء الإمارات في مشاريع الطاقة النووية النظيفة، والاقتصاد البديل عن النفط ليثبت بذلك عمق النظرة إلى المستقبل البعيد، الذي يعتمد على الإنسان أولاً وأخيراً، ناهيك عن تأكيده أن المرأة الإماراتية شريكة أخيها الرجل في بناء الوطن، في كل الحقول والميادين، ليضيف بذلك إشارة جديدة إيجابية في مستقبل هذا البلد العربي الواعد والفتي، الذي يقوده رجال كبار. ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د. علي القحيص ـ ـ ـ ـ ـ ـ * مدير صحيفة الرياض السعودية لدى الإمارات