يمكن تعريف القتل على الهوية بأنه قتل إنسان لآخر بسبب هويته وليس شخصه، وأي شخص يشترك مع الضحية في تلك الهوية كان هدفاً محتملا للقاتل الذي اختار ضحيته بلا تمييز. فمن يقتل مسلماً اسمه عبدالله يعيش في بروكسل، لأنه يكره المسلمين، لم يختر عبدالله الذي يعيش في بروكسل إلا بشكل عشوائي من بين مليار و700 مليون مسلم. ومن هذه الحيثية، فإن النقاش هنا يفترض أن يركز على القاتل فقط، إذ ليس هناك شيء يمكن التحدث عنه حول الضحية، فلو قُتل شخص لأنه مسيحي، فإننا لا نستطيع أن نقول إنه كان يمكن أن ينجو من القتل لو كان قد تحول إلى دين آخر قبل أن يقع بالمصادفة بيد شخص يكره المسيحيين إلى درجة القتل. ولو قُتل شخص لأنه عربي، فإننا لا نستطيع القول إنه كان يمكن ألا يُقتل لو كفّ عن كونه عربياً، فكل هذا الكلام لغو لا معنى له. الضحية في جرائم القتل على الهوية لم تفعل أي شيء لتلقى ذلك المصير، ولم يكن بيدها أي شيء لتمنع الاعتداء عليها، خصوصاً أن الهوية ليست اختيارية، فالأوروبي سيبقى أوروبياً شاء أم أبى، والمسلم سيبقى مسلماً في نظر الكارهين للمسلمين حتى لو بدّل دينه، ومن ثم ينبغي الترحم على الضحية ومواراته الثرى وإبعاده عن النقاش والبدء في التساؤل حول القاتل، وهويته، وبيئته، ومجتمعه الذي تربى في أكنافه. لماذا كان يحمل كل ذلك الكره في صدره إلى درجة حملته على قتل إنسان لم يذنب شخصياً في حقه؟ ماذا كان يقرأ؟ إلى من كان يستمع؟ على أي شيء استند؟ هل الثقافة التي ينتمي إليها تحض على قتل الآخر أو تبرر له ذلك أو تغض الطرف عنه؟ ما الذي ينبغي فعله لئلا يظهر قاتل مثله؟ ما الذي علينا فعله لنبث الطمأنينة إلى الأشخاص الذين يشتركون مع الضحية في تلك الهوية وكانوا أهدافاً محتملين؟ هل ثمة صراع هويات بين هوية القاتل وهوية الضحية؟ كيف يمكن تخفيف حدة ذلك الصراع إن وجد؟ كل هذه الأسئلة، وغيرها، هي التي ينبغي أن تطرح، ومن البديهي أن المعني بالبحث عن إجابات لتلك الأسئلة هو المجتمع الذي ينتمي إليه القاتل وليس الضحية، فليس ثمة شيء يمكن التحدث عنه حول دين أو مذهب أو جنسية أو عرق الضحية، كما مر. أضف إلى هذا، أن النقاش الداخلي يخلق الوعي بين المنتمين إلى تلك الثقافة أو البيئة، ويهدأ نفوس المنتمين إلى هوية الضحية، والعكس صحيح، إذ يستفز هذا الطرف الآخر الذي بدوره يحاول حماية نفسه بالمكابرة، وتكون النتيجة المزيد من الكراهية والدماء. ورغم أن المجرم لا يمثل إلا نفسه، فمجتمعه هو المكلف أدبياً باستنكار جريمته والبراءة منها والتظاهر ضد فعلته ومواساة أهل الضحية، للتأكيد على أن ذلك القاتل لا يمثل إلا نفسه فعلاً. وحين يحدث العكس، فيتظاهر مجتمع الضحية مندداً، ويحتفظ مجتمع القاتل بصمته كأنه غير معنٍ، يبعث كل مجتمع برسالة عدائية للمجتمع الآخر.