قال الرئيس الأميركي باراك أوباما في قمة مكافحة الإرهاب والتطرف الذي عقد مؤخراً بواشنطن إن بلاده لا تشن حرباً على الإسلام وإنما على المتطرفين. واعتبر أن «المتطرفين الإسلاميين» لا يتحدثون باسم «مليار مسلم» داعياً إلى التصدي لـ«وعودهم الزائفة وأيديولوجياتهم الحاقدة» من خلال توحد القادة الغربيين والمسلمين في رفض ما يزعمه «الجهاديون» من أنهم يمثلون الإسلام، معرباً عن رفضه لما يروّج له البعض في الولايات المتحدة والغرب من وجود «صراع حضارات»، مؤكداً: «نحن لسنا في حرب مع الإسلام». وحسب بيان البيت الأبيض، فإن الهدف من قمة مواجهة التطرف العنيف هو «تسليط الضوء على الجهود المحلية، والدولية لمنع المتطرفين الذين يمارسون العنف، ومؤيديهم، من التطرف، ومن تجنيد، أو إلهام، أفراد، أو جماعات، في الولايات المتحدة، وخارج الولايات المتحدة، لارتكاب أعمال عنف»، وأشار البيان إلى الهجمات الأخيرة في كندا، وأستراليا، بالإضافة إلى فرنسا، ثم الدنمارك. وكان البيت الأبيض قد بدأ هذه الجهود في عام 2011، عندما أعلن خطة حول «شركاء داخل الولايات المتحدة لمنع التطرف العنيف، ولوضع استراتيجية وطنية لمنع التطرف العنيف»، وهي الخطة التي يرمز إليها بأحرف «سي في آي» (مواجهة التطرف العنيف). هذا الكلام الجميل وهاته القمم والأحداث تؤصل لفكرة مفادها أن صون الإسلام من خبث وبربرية الدواعش وأمثالهم هو مطلب عالمي، لا يخص المسلمين لوحدهم وإنما العالم بأسره، ويعني مما يعنيه أن الدواعش وحدوا السياسات العالمية على هدف واحد ربما أصبح من القضايا النادرة التي عليها شبه إجماع دولي. وانطلاقاً من ذلك فإن كل ما يصب في اجتثاث «داعش» يمثل جزءاً من قضية عالمية ملحة بما في ذلك تقييد حركتهم النشطة في الإنترنت. لكن مع ذلك، وكما سبق وأن كتبت في هاته الصحيفة الغراء، فإن هذا النوع من العنف هو عبارة عن موجات متكررة ودائمة باسم الدين وباسم الإسلام، وهو عبارة عن مغناطيس قوي يجذب شبابنا ويودي بهم إلى التهلكة، بل ويجذب حتى أبناء الجيل الثالث من الجالية المسلمة المقيمة في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وأستراليا. فلا يمكن الاستخفاف بهاته الداهية العظمى ولا الأعذار، فنحن معنيون قبل غيرنا من الأمم ونحن مهددون في ديننا وأوطاننا وتاريخنا وثقافتنا وتواجدنا بين الأمم، وهذا يشمل «داعش» و«جبهة النصرة» و«بوكو حرام» في مالي و«أحرار الشام» و«أنصار الشريعة» في ليبيا و«القاعدة» في اليمن، وغيرها من التنظيمات المتطرفة في سيناء، ومنطقة جنوب الصحراء الأفريقية.. وهي كلها مسميات لإرهاب واحد حيث يضع مريدوها للانتهازية عنواناً من الدين، ويقدمون للظلم وسفك الدماء البريئة تبريرات من الآيات، ويعطون لأفعالهم وأعمالهم أسماء من الشريعة! طائرات التحالف الدولي بإمكانها أن تزيل قرى وأمصاراً من الخريطة، لكن الحرب الحقيقية التي يجب أن تكون هي حرب القلم واللسان.. فمحاربة «داعش» في السنوات والعقود المقبلة تبدأ من أوطاننا ومؤسساتنا التربوية، لكي نزيل الداء من أصوله لا أن نقطع جزءاً من جناح الفيروس فهو سريع النماء والتوالد. التحالف الدولي سيقضي على «داعش» طال الزمن أو قصر وسيحقق هدفه الصغير، وسيتخلص لا محالة من جماعة واحدة دموية وسفاكة، كما يمكن ترتيب الخرائط السياسية من جديد، ويمكن إعادة النظر في المنظومة العربية ويمكن تخفيف الجمرة المذهبية، لكن ستطرح أسئلة فيما بعد، عندما يتكون تنظيم إرهابي في بعض مناطق أفريقيا أو الوطن العربي وعندما سيجرؤ إرهابيوه على قطع رؤوس غربية ومسلمة: الحل يبدأ من مؤسساتنا التربوية ومن مجتمعاتنا البشرية، ومن كتب التراث التي يجب إعادة صياغتها بما يتماشى مع ديننا السمح الحنيف الذي يجرم التبسيطية المخلة، ويدعو إلى العقل والتسامح وبناء الأسرة الإنسانية الواحدة. فعندما يصبح الأمر عند الملوثة عقولهم إما حقاً أو باطلا، والموقف إما هدى أو ضلالا، والألوان إما أبيض أو أسود، والحاكم إما ملاكاً أو شيطاناً، والشخص إما مسلماً أو كافراً.. فلا تركيب ولا تنسيب ولا تطييف ولا تعقيد ولا تشابك، وإذن فلا اختلاف ولا اجتهاد ولا عقل، ولا خطأ ولا شك ولا حرية ولا تطوير ولا تحسين، وإنما الأشياء بسيطة حاسمة جاهزة حازمة.. وهنا تكون الطامة الكبرى والمصيبة الآزفة التي تأتي على الأخضر واليابس.