المتصفح لأخبار إيران اليومية والمتابع للداخل الإيراني يمكنه بمنتهى السهولة قراءة كم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها إيران المشغولة بالخارج في كل سياساتها ومشاريعها، فالمشكلات الداخلية كثيرة، والأنهار تعاني التلوث القادم من العراق، وشح المياه، والاحتقان في بعض المناطق التي تعد مصدر البترول الأهم لإيران، ولولاها لما كان لإيران هذا الدخل النفطي الكبير، الذي جعلها من أكبر مصدري النفط في العالم. هذا ناهيك عن مشاكل الفساد التي جعلت القضاء مشغولاً بمحاسبة بعض أصحاب المناصب في عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، والمتهمين في اختفاء آلاف المليارات من خزينة الدولة الإيرانية. وما يهم في الأمر هو غفلة المنطقة العربية عن السعي لكف التدخلات الإيرانية في شؤون بعض الدول العربية غير المستقرة، أو ممارسة ضغوط تجعل إيران تفكر مرة أخرى في حقيقة وأهمية وجودها في عواصم عربية. فلم تكسب إيران من ثورة الشام إلا فائض خسارة وهزيمة سياسية وسقوط الأقنعة، واليوم حين دعمت الحوثيين في اليمن عليها أن تفهم أيضاً أن هذا البلد الشقيق هو العمق الاستراتيجي الأهم للسعودية ودول مجلس التعاون، ولن يكون لقمة سائغة للحوثي المنقلب على الشرعية، والمعتدي على رئيس منتخب لا يعرف مصيره إلى اليوم. إن البعد الاستراتيجي في العلاقة مع إيران هو مكمن قوة أيضاً اليوم فعلى رغم توغلها وادعائها احتلال أربع عواصم عربية عليها أن تدرك كم الثغرات التي فتحتها على نفسها، وخطورة وضعها اليوم في حال استمرت في انتهاك سيادة هذه الدول. فعلى امتداد مساحة الأمة الإسلامية فقدت إيران سمعتها التي بنتها بشعارات «الموت لأميركا وإسرائيل»، وها هي اليوم تفقد أيضاً بشكل متنامٍ توازنها الاقتصادي في الداخل، واستنفرت جيشها في حروب اعتقدت أنها ستشكل لها حلماً فارسياً قديماً، لكنه سرعان ما تحول إلى كابوس وتبعات باهظة لا طائل من ورائها. إن الوقت يمضي ضد مصالح إيران ويعكس وضعاً متخلخلاً لابد من استغلاله، فقد تسببت إيران في مفاقمة الأوضاع منذ احتلالها للعراق، ولعبت دوراً في زعزعة وضع لبنان السياسي، وكذلك سوريا التي باتت هي اللاعب والحاكم الحقيقي لها. ولا يخفى أن كل هذه الحروب جعلت إيران سبباً ومبعثاً لقلق وغضب عام انتشر كالحريق، وصار من الأهمية بمكان أن يوقف هذا المد الإيراني المتمثل في تدخلات مكشوفة في شؤون دول في النظام الإقليمي العربي، ولابد أن يعرف من يدفع بهذه التدخلات يقيناً أن التكلفة باهظة، وأن الوضع لم يعد سهلاً كما تصوروا ذات يوم. فقد تحولت إيران إلى محط انتقاد بلا منافس، على امتداد مساحة الأمة. ولو استمرت التدخلات في شؤون الغير فقد يأتي وقت تدفع فيه الثمن من مصالحها مع الشعوب العربية، ولو بعد حين.