أعطت إسرائيل أهمية خاصة للتعليم المهني والتكنولوجي في مرحلة الدراسة الثانوية، فلخريجي هذا التعليم دورهم الأساسي في تطوير الصناعة، وفي القيام بمهمات أساسية في الجيش، وتحول اسم هذا المسار من التعليم المهني إلى التعليم التكنولوجي، ثم إلى التعليم التكنولوجي العلمي، وتعددت مناهجه وفق هدف التحاق كل طالب به؛ فهناك منهج يؤهل الطلاب للحصول على شهادة إنهاء الفرع المهني والاندماج في سوق العمل، ومنهج مهني عادي يؤهل الطلاب للحصول على الثانوية العامة، وهناك منهج ثالث يؤهل الطلاب للالتحاق بالدراسات العليا. كما تم تصنيف العلوم من حيث أهميتها، فكان ترتيبها: الرياضيات، الفيزياء، الكيمياء، ثم علم الأحياء. وتطبيقاً للتوصيات، فقد تم تجديد المناهج وإدخال التكنولوجيا إلى الصفوف الدنيا. وزاد عدد الطلاب في المساقات العلمية المركزة من 18? سنة 1998 إلى 27% في سنة 2004، وهو تطور لم يشمل المدارس العربية في إسرائيل، نظراً للتكاليف الباهظة للنهوض بمثل هذه التخصصات. ويقول أبوعصبة الذي نعرض دراسته عن التربية والتعليم والبحث العلمي في إسرائيل، إن التطورات التي أدخلت على هذا المجال لم تكن كلها لمصلحة الجيش حيث وجدت هذه المؤسسة نفسها أمام نوعين من الخريجين: المهندسين والفنيين والباحثين والعلماء، ممن تم إعدادهم بكفاءة عالية، ومن جانب ثان العمال المهرة اللازمين لأعمال الصيانة الذين تزايدت حاجة الجيش إليهم ولا يجد كفايته منهم. وتعطي إسرائيل أهمية قصوى للعنصر البشري في المخرجات الدراسية، ونرى أن جهاز التعليم فيها يشمل، إلى جانب أطر التعليم العادية، عدداً من الأطر الرسمية وغير الرسمية. وأشهر أطر التعليم البديل الرسمية، يقول أبو عصبة: «هو التدريب المهني للطلاب الذين يتسربون من المدارس العادية الرسمية، إذ يمكنهم الالتحاق بمراكز التدريب المهني التي تقدم دورات مهنية مدة عام أو عامين». ومن دلائل اهتمام إسرائيل بمثل هذه الشريحة المهملة في دول كثيرة، أن الكنيست سن في عام 1953 قانوناً خاصاً بالشبيبة، ضمن للمتسربين من المدارس حتى سن 18 عاماً الحق في استكمال دراستهم وتدريبهم المهني خلال العمل. «ويفرض القانون على أصحاب العمل السماح لهؤلاء بالدراسة في المؤسسات المختصة يومين في الأسبوع». وتشمل هذه المؤسسات المدرسة الصناعية، مدرسة الشبيبة المتعلمة، حلقات التدريب بمعسكرات الجيش، دورات خاصة بالشبيبة تعقدها مؤسسات متعددة. ومن الأمور التي تهتم بها المؤسسات التعليمية الإسرائيلية تعددية المجتمع وتنوعه بين «أصليين» و«مهاجرين». فالتعددية هنا في الأساس تنوع القيم الثقافية وكيفية دمجها وصهرها في مجتمع واحد. ويقول الباحث إن المؤسسات الإسرائيلية لا ترحب بالتعددية الثقافية، لأن مثل هذه التعددية تتصادم مع شروط نجاح المشروع الصهيوني، وقدرته على دمج الهويات والمصالح والمتعارضة، «لذا تم تجنيد التربية الصهيونية لخلق رواية وحيدة تعمل على محو الانتماء التاريخي والثقافي إلى بلاد الأصل لدى المهاجرين». ويضيف أن قوة نفوذ الأيديولوجية الصهيونية في الجهاز التربوي الإسرائيلي تعتمد على «سياسة الوحدة الثقافية» وعلى «إلغاء الاختلاف والتباين الثقافي». ويمكن القول إن موقف المؤسسة التعليمية الإسرائيلية من التعددية الثقافية يشبه مواقف دول لا حصر لها في العالم، دول كثيرة لا تتحمل التعددية الثقافية ولا تشجعها، وفي حالتنا العربية مثلاً هناك رغبة لإذابة الأقليات العرقية والمذهبية والدينية في الوعاء العربي والإسلامي، بينما نحذر جالياتنا في الغرب من «الذوبان»! ولا نجد في الحياة السياسية والتربوية العربية أي جهد حقيقي لتشجيع التعددية الثقافية، القائمة على تقبل حق الآخرين في الاختلاف والمحافظة على ثقافتهم والعيش وفق نمط حياتهم الخاص. ورغم طغيان المخاوف الصهيونية على الجهاز التعليمي الإسرائيلي، كما يبين الباحث، فإن مجال الحريات الثقافية والسياسية والإعلامية واسع وملحوظ في المجتمع الإسرائيلي، مهما كان الموقف الرسمي من هذه التعددية. ونجد أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1948 وجدت نفسها متعايشة مع تركيبات برلمانية غير مريحة في الكنيست، ومع تنوع حزبي لا يسهل دائماً استيعابه، وتعددية قومية ولغوية ومذهبية متنافرة داخل اليهود أنفسهم. كما لم نجد السلطات هناك تلجأ لاستخدام القمع والمنع في الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية. ورغم الحروب التي خاضتها إسرائيل ضد محيطها العربي، وكونها وجدت في سياق احتلالي ترافق مع الحرب وأجوائها في أغلب الفترات، فإن الحريات الإعلامية والأكاديمية والسياسية فيها ظلت مصانة في أغلب الأحوال!