هناك احتمال كبير طرحه العديد من المؤرخين يقول إن الحركة الصهيونية التي نشأت عام 1897 لم تنجح في جذب أعداد كبيرة من يهود أوروبا إلى فلسطين إلا بأمرين، الأول هو موجات الاضطهاد، التي مارسها المسيحيون الأوروبيون ضد الجماعات اليهودية منذ العصور الوسطى وحتى الحرب العالمية الثانية، والأمر الثاني هو علميات قامت بها المنظمات الصهيونية لإفزاع اليهود في بلدان أوروبا لإفهامهم بأنه ليس أمامهم من أمل للحياة في تلك البلدان وأن الحل الوحيد المتاح لهم هو الالتحاق بالمشروع الصهيوني الهادف إلى احتلال فلسطين، وإقامة وطن لليهود هناك. واليوم أرى هذا الاحتمال يتجدد في الواقع، ذلك أن نتنياهو قرر أن يستثمر حادث احتجاز رهائن يهود في متجر يهودي في باريس بالتزامن مع الهجوم على مجلة «شارلي إيبدو»، حيث راح يدعو يهود فرنسا البالغ عددهم ستمائة ألف للهجرة إلى إسرائيل باعتبارها ملاذهم الوحيد لحياة آمنة حسب قوله. كذلك تجددت الفرصة أمام نتنياهو مطلع الأسبوع الحالي عندما هوجم أحد المعابد اليهودية بالرصاص يوم السبت الماضي بالتزامن مع هجوم على مؤتمر يحضره رسامو كاريكاتير ممن رسموا كاريكاتيرات مسيئة للنبي محمد صلوات الله، وسلامه عليه في كوبنهاجن. والسؤال هنا هو: هل ستتوقف جهود نتنياهو على الدعوة السلمية ليهود أوروبا للهجرة أم أن أعمالاً يمكن تدبيرها لإثارة فزعهم ودفعهم دفعاً إلى الهجرة إلى فلسطين؟ لقد شملت هذه الأعمال التي يشير إليها المؤرخون في الماضي تفجيرات قام بها صهاينة لمعابد ومحلات يهودية واغتيالات للشخصيات اليهودية التي كانت تعارض المشروع الصهيوني. هذا فضلا عن تعمد إثارة أعمال الفوضى والقلاقل لإثارة حنق الشعوب على الجماعات اليهودية. ونتذكر أن نتنياهو عندما قام في أعقاب حادث باريس بإصدار دعوة إلى يهود فرنسا يحذّرهم فيها من العيش في فرنسا ويدعوهم للحضور لإسرائيل، قوبل بغضب رسمي فرنسي صريح. أما بيانه الجديد الذي أصدره في أعقاب حادث كوبنهاجن فقد رد عليه أكثر من مسؤول أوروبي. لقد جاء في بيان نتنياهو ما يلي: إنني أقول لكل يهود أوروبا إن إسرائيل تنتظركم بذراعين مفتوحتين، إن الإرهاب ضد اليهود سيستمر، وستتواصل محاولات قتل اليهود في أوروبا لمجرد أنهم يهود. لقد وضعت حكومة إسرائيل خطة لتشجيع هجرة يهود فرنسا وبلجيكا وأوكرانيا، وهي خطة تتكلف خمسة وأربعين مليون دولار. هكذا يصطاد نتنياهو في المياه العكرة. غير أن الناطق باسم يهود الدنمارك، جيب جوهل، رد على نتنياهو قائلاً : إننا شاكرون جداً لنتنياهو، لكننا نؤكد أننا دائماً دانماركيون، ولن يرغمنا الإرهاب على الذهاب إلى إسرائيل. إن هذه الصفعة على وجه نتنياهو يمكن أن تؤدي إلى إحياء الأساليب الصهيونية القديمة لإرغام يهود أوروبا على تلبية الدعوة للهجرة. طبعاً عندما ستطبق هذه الأساليب سيكون التطبيق في الخفاء وبذكاء، مما يجعل مسؤولية الاعتداءات تنسب إلى المسلمين، كما كانت في مطلع القرن العشرين تنسب إلى المتطرفين المسيحيين الأوروبيين.