تردت علاقات روسيا مع الغرب كثيراً وأضحت في أسوأ حالاتها منذ أيام الاتحاد السوفييتي وذروة الحرب الباردة. أما السبب المباشر للأزمة، فهو الحرب الأهلية في أوكرانيا وتدخل روسيا والغرب في شؤونها الداخلية. غير أن عدداً متزايداً من السياسيين، والمراقبين في الغرب يرون أن المشكلة الجوهرية إنما تكمن في رفض الرئيس بوتين قبول تراجع مكانة روسيا وأهميتها منذ تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، ويعتقدون أنه عاقد العزم على استعادة قوة روسيا وأمجادها السابقة. كان الأمل على مدى سنوات بعد عام 1991 أن روسيا، بمساعدة وتوجيه من الغرب، ستتطور تدريجياً إلى مجتمع ديمقراطي يتقاسم مع الغرب قيمه الأساسية ويتبنى اقتصاد السوق الحر ودعم حقوق الإنسان الكونية. غير أن أول رئيس لروسيا، وهو بوريس يلتسن، كان للأسف زعيماً مفتقراً للكفاءة، حيث سمح بنهب الصناعات الكبيرة والموارد الطبيعية الروسية من قبل مجموعة من الأوليجارشيين، الذين راكموا ثروات طائلة عبر بيع ثروات روسيا وإخراج معظم الأموال من البلاد إلى جنات آمنة في الغرب. وخلال هذه الفترة، والتي تميزت بفوضى اقتصادية، لم تكن الثروة تصل إلى الطبقات الدنيا في المجتمع، كما فقد معظم الروس أي ضمان اجتماعي كان لديهم تحت الحكم السوفييتي. ومما فاقم من مأساتهم أن الفخر الذي كانوا يشعرون به في الماضي نتيجة الإنجازات السوفييتية في الفنون والفضاء والرياضة، تبدد وتلاشى في وقت بدأت فيه بقية العالم تتحدث عن روسيا كدولة فاشلة. وفي عام 1994 أدى تمرد في الشيشان ضد الحكم الروسي إلى حرب دموية، ثم أدت الأزمة المالية الآسيوية في عام 1998 إلى مزيد من التضعضع الاقتصادي. وفي هذه الأثناء، أصبح بوتين، الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء في عهد بوتين عام 1999، رئيساً للبلاد عقب تنحي يلتسين عام 2000، حيث شغل المنصب لفترتين رئاسيتين حتى عام 2008. وكانت تلك هي الفترة التي أشرف خلالها على إعادة إحياء الاقتصاد الوطني، فارتفعت شعبيته إلى مستوى غير مسبوق، حيث استفادت روسيا من ارتفاع أسعار النفط، ومن شبه احتكارها لإمداد أوروبا بالغاز الطبيعي. ومع بدء عودة الرخاء إلى روسيا، كان الزعماء الغربيون مقتنعون بضرورة الترحيب بروسيا في منظمات الغرب ومحافله على غرار مجموعة السبعة الكبار الاقتصادية، التي أصبحت لاحقاً مجموعة الثمانية. بيد أن المزاج في الغرب سرعان ما أخذ يتغير عندما رتب بوتين، في نهاية ولايته كرئيس، انتخاب دميتري ميدفيديف، بينما تقلّد هو منصبه القديم كرئيس للوزراء. لكن ميدفيديف لم يتول رئاسة البلاد سوى لولاية واحدة. وفي عام 2012 عاد بوتين إلى منصب الرئاسة. وفي هذه الأثناء، كثرت قصص الصحافة الغربية حول محاولات للتضييق على وسائل الإعلام الروسية، خاصة القنوات التلفزيونية المستقلة، كدليل على عودة النظام السابق. وقد رأى بوتين في خلع الرئيس الأوكراني الموالي لروسيا، فيكتور يانوكوفيتش، في أوائل العام الماضي، نتيجة انتفاضة جماعية، تهديداً مباشراً لروسيا، فأمر بضم شبه جزيرة القرم، وبدعم الانفصاليين في شرق أوكرانيا، مما اعتبره الغرب تدخلا في الشؤون الداخلية لأوكرانيا الساعية إلى نيل عضوية كل من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو). لذلك قام الغرب بفرض عقوبات على روسيا. وتزامنت هذه التطورات مع الانخفاض الدراماتيكي وغير المتوقع في أسعار النفط العالمية، وهو ما كانت له تأثيرات على الاقتصاد الروسي. وبالتوازي مع ذلك، بلغت شيطنة الغرب، خاصة الولايات المتحدة، في وسائل الإعلام الروسية، مستوى غير مسبوق منذ الحرب الباردة. وبالمقابل، ازداد الاعتقاد في الغرب بأن بوتين ينتهج سياسة خارجية عدائية تجاه الغرب ومصالحه، وبأنه مستعد لاستعمال القوة العسكرية لإظهار القوة الروسية في أوروبا الشرقية وأوروبا الوسطى بهدف إعادة التأكيد على قوة النظام السوفييتي السابق ونفوذه. وعلاوة على ذلك، سعى بوتين جاهداً إلى تعزيز علاقات روسيا مع بلدان تشعر أيضاً بالغضب وخيبة الأمل تجاه الغرب لأسباب مختلفة، ويشمل ذلك زعماء كل من المجر وبلغاريا والحكومة اليونانية الجديدة. ونتيجة لذلك، فإنه من المحتمل مجدداً أن تطغى مشاعر العداء لروسيا على الانتخابات التي تجرى في بعض البلدان الغربية، مثل حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2016 في الولايات المتحدة الأميركية. ومن نتائج هذا الأمر مقترحات بزيادة ميزانيات الدفاع، في الوقت الذي أصبحت فيه مقترحات بزيادة التمويل المخصص للبرامج الاجتماعية وبرامج البنية التحتية ميزة تميز نقاشات «الحزب الديمقراطي».