يتساءل عالم النفس السلوكي الأميركي «بورهوس فردريك سـْكـِنر» (توفي عام 1990)، في كتابه «تكنولوجيا السلوك الإنساني»، عن علاقة السلوك بالمشاعر، وجدلية تأثير كل طرف على مستوى الحدة لدى الطرف المقابل. كما يسأل: هل نحن نخاف فنهرب؟ أم أننا نهرب فنخاف؟ والواقع أن كلا الأميرين حقيقي، فعندما نخاف نبتعد، وبقدر حجم الخوف يكون الفرار، وهذا الأخير (أي الفرار) هو أيضاً بدوره يزيد من جرعة الخوف ويدعم تأثيره. والواقع أن الخوف ضروري كآلية للحفاظ على الوجود العضوي، إذا جاء ضمن الوسط الذهبي بين قطبي اليأس والأمل، وهو ضارّ ثقافياً لأنه يمزق شبكة التعاون الاجتماعية وينتج النموذج المنافق. ويمكن التحرّر منه بغرس شجرة اللاعنف، لأن شجرة العنف جذورها الكراهية وثمرتها الخوف والجريمة، وشجرة اللاعنف جذورها الحب وثمرتها الأمن والسلام الاجتماعي. فهذه مضامين فلسفية في غاية الأهمية، ينبغي لرجال الأمن العربي أن يضعوها في اعتبارهم خلال الاجتماعات التي لا تنتهي حول كيفية مكافحة الإرهاب. وهذا يتطلب جراحة ثقافية: «أولئك لهم الأمن وهم مهتدون». يعتبر الخوف عامل طرد، كما أن الأمل يمثل قطب جذب في المقابل، وهكذا فأفضل «حقل» تتحرك فيه النفس هو السباحة بين قطبي الخوف والأمل، وهذا يفسر لماذا سلط الدين هذين التيارين على عقل المؤمن بين جنَّة عرضها السموات والأرض أُعدت للمتقين، ونار تتلظى نزاعة للشوى في إعدام بدون إعدام! ولعل أفضل وضع للحركة عند مطاردة مجموعة لشخص تريد النيل منه، هو أن يركض مستخدماً أفضل مهاراته الفيزيائية والروحية عندما يخاف أن يقع في قبضتهم، مع كل ما لديه من أمل في إمكانية التخلّص منهم. وبين هذين القطبين يكون الركض على وضع مثالي، وتبدأ الحركة في التباطؤ طرداً مع ازدياد شحنة أحد القطبين. عندما يبدأ شعور الخوف بالازدياد، والإحساس بالأمل يتلاشى، لتتوقف الحركة تماماً عند استيلاء أحد الشعورين بالكامل على الإنسان. فبقدر ما كان الخوف ضاراً، كان الأمل سمّاً قاتلاً. ومن هنا فقد نبَّهنا القرآنُ حتى لا يستولي علينا هذا الشعور المخدر بالأمن: «أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون؟». وبالمقابل أن لا نستسلم لليأس، فهو صفة الكافرين كما ورد في العديد من الآيات الكريمة. نخلص من هذا إلى أن جمود الروح وتيبّسها في حقل بعينه يقتلها، وأن مخطط الحركة وتواترها بين قطبين هو الذي يدفع تيار الحياة إلى الوجود الفعال والإيجابي. فهي ظاهرة موجودة في الحياة أينما تفقّدها المرء، فالدماغ الميت يعطي مؤشر السواء بدون موجات، وخفقان القلب يعطي مخطّط صعود وهبوط بدون توقف، والكهرباء تقوم بتردّدات لا تعرف الراحة.. كذلك الحال في فعالية الروح وحركة المجتمع، وكذلك كان مخطط الحضارات في التاريخ بين يقظة وتألق فانهيار وتفسّخ، سُنّة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلا.