ماذا عسى المجتمع الدولي أن يفعل بعد تشريد ما يقارب من مليون شخص داخل نيجيريا، وفق إحصائيات حكومية نيجيرية، وما يقارب 150 إلى 170 ألف خارج الحدود النيجيرية في دول الجوار التي تعرضت هي الأخرى للهجوم، على غرار تشاد الأسبوع المنصرم وقبلها الكاميرون والنيجر وهي دول، بجانب بنين، مشاركة في القوات الأفريقية المشتركة (7500 مقاتل) لمحاربة «بوكو حرام»؟ «داعش» القارة الأفريقية أصبحت تتفوق على ابنة عمتها، أي «داعش» العراق والشام في التطاول الإجرامي غير المسبوق في البشاعة بحق الأبرياء والمسالمين. وجماعة «بوكو حرام»، ومعناها «التعليم الغربي حرام»، أو كما يطلقون على أنفسهم «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد»، ومؤخراً الفرع المحلي لـ«داعش» في ولاية نيجيريا، بعد أن أعلن أميرها، «أبوبكر شيكاو» (خلف مؤسس الحركة محمد يوسف، الذي قتلته القوات النيجيرية النظامية عام 2009) مبايعته لأبوبكر البغدادي زعيم تنظيم «داعش» الأم. لكن ما يحيرنا هنا هو كيف تحولت نحو الصراع المسلح العنيف حركة دعوية يقف خلفها بعض الساسة والتجار في شمال نيجيريا، وينتسب إليها العديد من طلاب المعاهد والجامعات الرافضين للتعليم الغربي! لقد مر هذا التنظيم بتحولات ومتغيرات عديدة، من الناحية الأيديولوجية، وعرف مسميات مختلفة عبر الوقت، مثل «جماعة طالبان نيجيريا»، و«المهاجرون».. لكنه استقى الأفكار المتطرفة من التيار السلفي الجهادي النيجيري الذي نشأ في سبعينيات القرن المنصرم بقيادة حركة «إزالة»، التي نشأت لمواجهة الطرق الصوفية ومحاربة «البدع» والخرافات وفق معتقداتهم. وتعود جذور تنظيم «بوكو حرام» لعام 1995، عندما أنشأ «أبو بكر لأوان» جماعة أهل السنة والهجرة في مادوجيري بولاية بورنو في الشمال، كحركة دعوية. وفي تصريح سابق لمؤسسها فإن الجماعة أُسست لنشر تعاليم وسنة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، ولتطبيق الشريعة الإسلامية في نيجيريا، علاوة على استهداف القوات الأمنية النظامية والمسيحيين ومن يشي بهم للحكومة. وعمل التنظيم على نشر وإشاعة كرامات مؤسسيه، وممارسة القتل والتمثيل بأعداد كبيرة في مختلف القرى والمدن، وخطف الفتيات والأجانب، وحرق الكنائس.. كما سيطر على مناطق بأكملها في شمال شرقي البلاد بعدما انسحب منها الجيش. فظاعات «بوكو حرام» ضد المدنيين والعناصر المسيحية أعادت الاهتمام الدولي مجدداً حول طبيعة الأوضاع في نيجيريا. فقد اشتهرت هذه الجماعة بمعاداة كل ما هو غربي وبصورة خاصة التعليم وتعليم الفتيات تحديداً. وفي بيان لزعيمها على مواقع التواصل الاجتماعي ذكر أنه «يجب أن يتم تزويج الفتيات وليس إرسالهن للدراسة». والحقيقة أن نيجيريا كدولة تعاني من الميراث الثقيل للأعوام السابقة، فهي أمة مقسمة، ناهيك عن كونها من أكثر الدول فساداً في العالم. وتتركز التنمية في الجانب المسيحي من البلاد، والذي يمثل نصف سكان نيجيريا تقريباً، مع إهمال الجانب الشمالي المسلم من البلاد. ومن المتناقضات الصارخة أن الغالبية العظمى من هجمات التنظيم تستهدف شمال البلاد المسلم، حيث يكفّر التنظيم كل من لا يتفق مع مذهبه من المسلمين، وقد قام باغتيال مجموعة من كبار الشخصيات السياسية والدينية الإسلامية في الشمال، وغالباً ما يقوم بقصف المساجد في وقت الصلاة. وتتراوح طموحات الجماعة بين فرض تطبيق أكثر صرامة للشريعة والتدمير الكامل للدولة النيجيرية وحكومتها. ورغم قلة أعداد المنتسبين للتنظيم، والذين يقدرون بنحو 10 آلاف عنصر، فإن «داعش» أفريقيا تشارك نظيرتها العربية في الذبح وقطع رؤوس الرهائن المختطفين وسبي الأطفال والنساء وحرق ضحاياها وممارسة الجلد وفرض الغرامات على من يخالف تعليماتهم، مثل أصحاب المتاجر الذين تبقى متاجرهم مفتوحة خلال الصلاة. ولا تترد «بوكو حرام» في استعباد الفتيات الصغيرات واستغلالهن جسدياً وتجنيد واستخدام الأطفال والشباب الصغار، حيث رُصدت حالات انتحار كان عمر الفتاة في إحداها 10 سنوات فقط، وفقاً لوكالة فرانس برس. كما أن المذابح الجماعية ترتكب بصورة عشوائية، وقد يصل عدد الضحايا فيها لما لا يقل عن 2000 شخص، كما حدث في إحدى المذابح الجماعية في مدينة «باجا». والمعادلة برمتها في أفريقيا بين الإرهاب العابر للحدود ومصالح الدول الكبرى والنزاع على مصادر النفظ والغاز وثورات الجياع والمهمشين.. يجب أن تكون مقلقة جداً لبقية دول العالم بصورة عامة، ولدول شمال أفريقيا بصورة خاصة، لاسيما في ظل الحضور الخفي لتنظيم «القاعدة»، المستتر في السلفية الجهادية والظاهر في «الإخوان المسلمين» علاوة على وجود الميليشيات الإسلامية المسلحة في ليبيا وشمال مالي ومنطقة الساحل. والسؤال هو: هل ستجهض «بوكو حرام» الانتخابات والديمقراطيةَ النيجيريةَ؟