في اجتماعه الثالث، الذي عقد في العاصمة أبوظبي، الخميس الماضي، الثاني عشر من الشهر الجاري، أقر «مجلس حكماء المسلمين» خطته وأهدافه الاستراتيجية للسنوات الثلاث المقبلة، من منطلق حرصه على نشر وتعميم مبادئ الإسلام الصحيحة ومفاهيمه وفهم رسالته السامية. وكان الهدف الرئيسي من الاستراتيجية التي أعلنها المجلس، إطفاء الحرائق المشتعلة في عدد من البلدان على خلفية انعدام الفهم الحقيقي للإسلام ومبادئه الإنسانية. ولئن كانت مسؤولية «مجلس حكماء المسلمين» مسؤولية كبيرة وتاريخية، إزاء هذا الواقع المرير الذي تعيشه الأمة في بعض بلدانها، بسبب الإرث المشوَّه أو المحرَّف أو المؤوَّل لمبادئ ديننا الحنيف السمحة، وبات الإقصاء وعدم الاعتراف بالآخر وتهميشه إحدى سمات التعامل اليومي في العديد من المجتمعات في العالم، فقد آن الأوان لتصحيح مساراته، وخاصة بعد أن كان من نتائج هذا الفهم الخاطئ لديننا الحنيف أنهار من الدم والخراب والتدمير وتعطيل التنمية، كما حدث ويحدث الآن في كل من العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن والصومال ودول أخرى في العالم. لقد تركزت استراتيجية «مجلس حكماء المسلمين» على تعزيز الحوار وتعميقه بين أتباع الديانات والثقافات المختلفة، من دون إقصاء للآخر أو تهميشه أو التقليل من شأنه أو الاستخفاف به أو الاستعلاء عليه، بعيداً عن أي مبررات أخلاقية أو إنسانية، فالجميع شركاء متساوون في الإنسانية وفي الأوطان وفي إعمار الأرض. وفضلاً عن ذلك، فقد ركز «مجلس حكماء المسلمين» في استراتيجيته على العمل على نشر الوعي بأهمية المفاهيم الإنسانية ومبادئ المساواة الحقة وتكافؤ الفرص واحترام القانون والنظام ونبذ العنف والتطرف والغلو، وعدم التعرض لحريات الآخرين لأي سبب كان، ما دام القانون والقضاء والعدالة هي الحامي الرئيسي للمجتمع وللدولة، وأنه ليس من حق أحد أن يفرض نفسه أو آراءه أو معتقداته على الآخرين. وفي موضوع نشر الوعي أيضاً، يعي «مجلس حكماء المسلمين» أن للمسجد والأسرة والمعلم ومناهج التربية والتعليم والأندية الرياضية والاجتماعية والثقافية والجامعة ووسائل الاتصال والإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي دوراً حيوياً وتكاملياً مهماً في تعزيز الوعي الجمعي للمجتمع بالمفاهيم الإنسانية النقية لمبادئ ديننا الإسلامي الحنيف ولرسالته السامية في التسامح والعفو واستقرار المجتمع وتوحيد رؤاه، بروح من التفاؤل والأمل وبناء أجيال محصنة بالمعرفة العلمية والفكرية، قادرة على إعمار الأرض وتحصيل المعرفة، من أجل بناء المستقبل والارتقاء إلى مصاف الأمم المتقدمة. وفضلاً عن ذلك، فإن «مجلس حكماء المسلمين» لم يُغفل أهمية تعزيز الخطاب الديني في استراتيجيته، وسعى إلى توحيد هذا الخطاب في جميع بلدان المسلمين، وتوجيهه نحو رفض الإقصاء والتهميش والتكفير وما شابه ذلك، لكي يكون أكثر توافقاً مع القيم الإسلامية النبيلة وتعاليم الإسلام الحنيف، سواء في العبادات الخالصة أو في التعامل مع الآخرين، وحض أفراد المجتمع على الانخراط في حوار مفتوح مع النخب الدينية والفكرية والسياسية وقادة المجتمع المدني في العالم أجمع، إضافة إلى بناء القدرات الفكرية للنخب المحلية بالانفتاح على العصر الحديث بعقل مستنير غير منغلق، وتبادل الأفكار والرؤى مع الثقافات الإنسانية كافة، لكي تكون نخبنا المحلية قادرة على مواكبة احتياجات أجيال الشباب وطموحاتهم المشروعة، ويكون في استطاعتها توجيه هؤلاء الشباب نحو الاستغلال الأمثل لأوقاتهم في التحصيل العلمي والمعرفي والديني الخالص وإكسابهم المهارات الإنسانية، بما يتماشى مع متطلبات القرن الحادي والعشرين وتحدياته.