أياً تكون النتائج التي ستسفر عنها زيارة علي كرتي، وزير خارجية السودان، إلى واشنطن الأسبوع الماضي، والزيارة التي قام بها أيضاً إبراهيم غندور، مساعد رئيس الجمهورية ونائب رئيس حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم، فإن نتيجة واحدة محققة ستسفر عنها وهي كونها قد حركت المياه الراكدة في علاقات الحكومتين منذ سنوات وأحدثت حراكاً في الداخل على شكل تعليقات وتصريحات ومقالات سياسية شغلت الناس لبعض الوقت. الأصل في الحكاية أن وزير الخارجية قد تلقى دعوة من السيناتور بول كيفي وزميله السيناتور روجر ويكر نيابة عن اللجنة المنظمة «للإفطار الوطني» الذي درج الكونجرس على إقامته سنوياً ودعوة مئات الشخصيات العالمية لحضوره، حيث تتحول المناسبة الدينية إلى منتدى عالمي. هذه المناسبة والدعوة لها، لا علاقة لها بالسلطة التنفيذية (الإدارة الأميركية).. لذا حرصت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية أن تؤكد على أن دعوة الوزير السوداني للمشاركة قد «وجهت إليه مباشره من مسؤولي الكونجرس المسؤولين عن تنظيم المناسبة»، وهذا في ردها على المحتجين على دعوة كرتي من المعارضين السودانيين وجماعات حقوق الإنسان الأميركية الذين تجمعوا أمام مبنى الخارجية الأميركية. وفيما يخص زيارة غندور فقد أعلن «المؤتمر الوطني» أنه تلقى دعوة من الإدارة لزيارة الو?يات الأميركية للتباحث حول قضايا مهمة، وأنه سيناقش مع الإدارة الأميركية سبل تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين والجهود الرامية لرفع العقوبات عن السودان. أما لماذا غندور تحديداً مَن قامت الإدارة الأميركية بدعوته، فإنه يبدو، ومن وجهة نظر الإدارة الأميركية، أنه هو المسؤول السوداني الأول عن ملفات النزاعات المسلحة في جنوب كردفان والنيل الأزرق وإقليم دارفور.. وتريد الإدارة بدعوته إرسال رسالة مباشرة بشأن هذه الملفات إلى حكومة السودان، خاصة وأنها قد أعلنت أكثر من مرة دعمها للحوار الوطني وتأييدها لجهود الوسيط الأفريقي وطالبت الخرطوم بتهيئة المناخ الملائم له والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية لمناطق الحرب. لقد وُوجِهت زيارة وزير الخارجية لواشنطن بتظاهرات واحتجاجات من ناشطين وسياسيين، وبعض أعضاء الكونجرس، وفي مقدمتهم السيناتور جيم مايكفوفرن رئيس لجنة حقوق الإنسان والسيناتور جوزيف بيتس، اللذان أصدرا بياناً قالا فيه إنه لا تنبغي دعوة مسؤولين سودانيين لحضور مناسبة تنظم باسم الكونجرس الذي صوت على قانون يدين السودان بانتهاكات ضد الإنسانية! لكن المتحدث باسم الخارجية السودانية قال إن الوزير قد خاطب أعضاء المنتدى وشرح تطورات ومستجدات الأوضاع السياسية بالسودان وترتيب الحكومة للانتخابات وجهودها لإنجاح الحوار الوطني الرامي لتحقيق السلام مع كل الفصائل المناوئة. وأجرى مشاورات مع بعض أعضاء الكونجرس حول رفع العقوبات عن السودان وتعزيز الحوار بين البلدين. وبينما تأمل المصادر الحكومية السودانية أن تُحقق زيارتي كرتي وغندور فرصة مواتية لتقريب وجهات النظر وتوضيح المعلومات الحقيقية عن السودان وسياساته الداخلية والخارجية للمسؤولين الأميركيين وإزالة الصورة القاتمة المنقولة عن البلد، حسب قولهم.. فإن المراقب لشأن العلاقات بين البلدين يلحظ أن ثمة خيوط اتصال بدأت تمتد بينهما، قد يكون التحرك الإيجابي من ناحية الأميركيين بطيئاً فيها وغير ملحوظ بشكل كبير. إلا أن الأوضح هو ما أعرب عنه بعضهم من رؤية «انتهازية» تليق برجال الأعمال الأميركيين الذين زعموا أن مصالحهم قد تضررت من قرارات الحظر الأميركية على السودان والفراغ الذي أحدثته المقاطعة، مما أدخل الصين بقوة في السوق السوداني والاستفادة من موارده، الأمر الذي انعكس سلباً على مصالح رجال الأعمال الأميركيين في السودان!