الدورة الثالثة للقمة الحكومية الأخيرة عكست مدى الاهتمام الذي توليه قيادة دولة الإمارات، وكذلك المشاركون من سبع وتسعين دولة من مختلف أنحاء العالم، لهذه القمة ومخرجاتها، في ظل توجه وطني إماراتي، وتوجه دولي كذلك، للأخذ بالتخطيط الاستراتيجي لمستقبل البشرية وتوجيه مسيرتها نحو التكامل والتنمية ومواجهة التحديات. ولا شك أن استشراف المستقبل ينبغي أن يستند إلى نماذج ناجحة من الحاضر، وفي مقدمتها تجربة الإمارات التي تتميز بالفكر الابتكاري، مما يؤهلها لطرح تصوراتها حول حكومات المستقبل، استناداً إلى نجاحاتها وإنجازاتها في مختلف المجالات، وهذا ما يجعل الصوت الإماراتي صوتاً مسموعاً على صعيد العالم، وهو ما يفسر حجم المشاركة الدولية الواسعة في أي نشاط ينطلق من الدولة. تجربة الإمارات التي طرحتها أمام القمة، وكما جاء في كلمة سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والتي لقيت اهتماماً كبيراً، هي اتباع الإمارات استراتيجية تؤمّن اقتصاداً مستداماً، ومستقبلا زاهراً، عبر مراعاة أولويات كالتعليم والصحة والابتكار والتنوع الاقتصادي والاستثمار في العنصر البشري. الاستراتيجية الإماراتية التي شرحها سمو الشيخ محمد بن زايد، استراتيجية شاملة لمدة خمسين عاماً، محورها الأساسي التنمية البشرية، استناداً إلى قيم الهوية الوطنية، واستمرار الاستثمارات الناجحة، في ظل وجود جهاز أبوظبي للاستثمار الذي أنشئ في منتصف السبعينيات، وهو الآن ثاني أكبر صندوق من نوعه في العالم. وكذلك التميز الهائل لدولة الإمارات في قطاع البنية التحتية من مطارات وموانئ، بالإضافة إلى استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، وغيرها من المشاريع الاستراتيجية الكبرى. ما شدد عليه سمو الشيخ محمد بن زايد، هو ضرورة أن تنظر الحكومة المتميزة إلى كل مواطن باعتباره ثروة وطنية، وهذا هو سر الاهتمام بكل فرد من أفراد المجتمع، واتباع سياسة تنمية الكوادر البشرية الوطنية. ومن هنا فإن تجربة الإمارات التنموية الفريدة يمكنها أن تكون تجربة قابلة للتصدير، وهو ما سوف يمنح المزيد من القوة الناعمة للدولة، خاصة وهي تمد يدها للعالم من أجل التعاون على الخير وإرساء السلام. ولا شك أن الدول العربية يجب أن تكون أول مستفيد من تجربة الإمارات في كل المجالات. وهنا ينبغي الإشارة إلى بعض الخبرات الإماراتية التي يمكن أن تستفيد منها دول العالم الثالث، بل وحتى الدول المتقدمة، ومنها خبرة الإمارات في مجال العمالة الوافدة وشؤون الإقامة والأجانب، على ضوء ما أظهرته من قدرة فائقة على إدارة شؤون عشرة أضعاف مواطنيها من الرعايا العرب والأجانب، من نحو مائتي جنسية من مختلف أنحاء العالم، وكذلك الخبرة الفريدة للدولة في التنسيق بين الأجهزة الإدارية، الاتحادية والمحلية، وخبرة الأجهزة المحلية في التنسيق بين أعمالها بسلاسة قلّ نظيرها. وكذلك خبرة الإمارات في مجال الشرطة والأمن العام، إذ تعمل الأجهزة المعنية بهذا المجال في خدمة المواطنين والمقيمين وتؤدي عملها بكفاءة عالية جداً. علاوة على خبرة الدولة في مجال القضاء والقوانين التجارية والشركات متعددة الجنسية، وفي مجال القانون الدولي الخاص.. على ضوء وجود نشاط اقتصادي هائل ومتنوع في البلاد. هذا بالإضافة إلى خبرة الأجهزة الحكومية في الدولة في محاربة الروتين داخلها، وأيضاً خبرتها في مجال الإدارة الفعالة والسلسة للمطارات والموانئ، إذ تستقبل الدولة عشرات الملايين من المسافرين وملايين السفن سنوياً. وكذلك خبرتها في المجال المصرفي والمالي والتجاري والجمارك، وسن التشريعات الاستثمارية. وأخيراً، خبرة الإمارات في مجالات البنية التحتية من مطارات وموانئ وطرق ومواصلات وتنمية المدن، وخبرتها في مشاريع التطوير العقاري الضخمة والتخطيط العمراني، وفي تأسيس وإدارة المناطق الحرة. إنه غيض من فيض مما تستطيع دولة الإمارات أن تمد يد العون فيه لمن يطلب مساعدتها. وعلاوة على أنه واجب إنساني، فإنه يساهم مساهمة كبيرة في تفعيل القوة الناعمة للدولة عن جدارة واستحقاق.