كيف يمكن فهم الدورات الاقتصادية؟ الحقيقة أن أغلب الناس يعتقدون أن فترات الطفرة والازدهار تفسح الطريق بيسر وتلقائية لفترات أخرى من الركود والأزمة، وأن التجاوزات التي تُرتكب خلال الأوقات الجيدة تتسبب في الانهيار، لكن رجال الاقتصاد المعاصرين طوروا نظرية مغايرة، وباتوا يعتقدون أن الركود والازدهار لا يتناوبان على نحو تلقائي ومنظم، بل يحدثان عشوائياً، وأن ما يبدو دورات منتظمة ومحسوبة ليس أكثر من تقلبات يصعب التنبؤ بها. وفيما يخص الفهم السائد حالياً في الدوائر الاقتصادية، يرى المحللون أنه مهما حدث من تطورات، سواء خفض البنك المركزي معدلات الفائدة، أو أنفقت الحكومة مليارات الدولارات على البنية التحتية، فإن الأوقات السيئة لا تلبث أن تنتهي تلقائياً، مفضية إلى نمو اقتصادي أقوى. وقد كان هذا النموذج القائم على فكرة الدورات الاقتصادية مُعتمداً من قبل الاقتصادي الكبير ميلتون فريدمان، كما استندت إليه أكبر مدرستين في النظرية الاقتصادية خلال الثمانينيات والتسعينيات: مدرسة الدورة الاقتصادية الحقيقية، والكينيزون الجدد.. ليتحول اليوم إلى ما يشبه الحقيقية الاقتصادية الثابتة. لكن ماذا لو كان النموذج خاطئاً طيلة هذه الفترة؟ كان هناك دائماً من يشك في قرارة نفسه في أنه عندما تحل الأزمة لا يعقبها الانفراج بالضرورة، بل قد تلحق أضراراً مستمرة بالاقتصاد، وأن أوقات الازدهار تأتي معها فوائد دائمة، ومن بين هؤلاء الذين زرعوا بذرة الشك مبكراً في نظرية الدورات الاقتصادية الاعتيادية أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد، جريك مانكيو، الذي استنتج في دراسة مهمة له أن الركود الاقتصادي عندما يحل لا يتعافى على نحو طبيعي، فلو تقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1?، فهو يظل على هذا النحو إلى أن يحصل ما يعود به للارتفاع. وفيما سعى بعض الاقتصاديين إلى مقاومة فكرة الركود المستمر والازدهار المقيم، تصدى اقتصادي آخر هو روجر فارمر لهذا الأمر، ذاهباً أبعد من ميلتون فريدمان، وصولا إلى جون ماينارد كينيز نفسه، وإن كان نموذجه لا يقترب كثيراً من الكينزية الجديدة من النوع التي يدعو لها فريدمان، ولا من نسختها القديمة كما يدافع عنها بول كروجمان، طارحاً نفس السؤال الذي أثاره كينيز: ماذا لو كانت المشاعر الإنسانية، أو الغريزة الحيوانية، هي التي تقود الاقتصاد؟، مشيراً إلى أن النزوعات البشرية هي ما يحدد وجهة الاقتصاد لأنها تنتقل من الذات الإنسانية إلى الواقع، عبر نبوءات تحقق ذاتها مكرسة الازدهار أو الركود. -------- نوا سميث، أستاذ الاقتصاد بجامعة «ستوني بروك» الأميركية ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»