لفت انتباهي خبر تمَّ نشره على الإنترنت، بأن العلماء يعملون على تطوير الذكاء الاصطناعي عند «الروبوت»، وأنَّه بحلول عام 2025 سيسطو الرجل الآلي على وظائف تشغلها حالياً العمالة البشرية. هذا الخبر أفرح سيدات البيوت اللائي رأينَ أن الاستعانة بالروبوت سيريحهنَّ من تسلط الخادمات ومن تذمرهن طوال الوقت، والأهم من هذا أن الأمهات عبّرن عن سعادتهن بأنهن سيشعرن بالأمان على أطفالهن بعد أن كثرت حوادث قتل الأطفال على أيدي الخادمات! هناك رواية باسم (1984) لا أتذكّر تفاصيلها الآن، كان قد كتبها الروائي البريطاني «جورج أورويل»، وتعدّ من أفضل مائة رواية مكتوبة باللغة الإنجليزية، وهي رواية فيها استشراف للمستقبل. رمز مؤلفها من خلال أحداثها أنه سيتم إقصاء العقل وتجريد العالم من إنسانيته. هذه الرواية كانت ممنوعة من التداول ببعض دول العالم لجرأتها السياسية، فهل كانت أحداثها تتنبأ بما سيحدث في الغد من خلال الروبوت الذي سيُسيطر على كل مظاهر الحياة في السنوات القادمة ويُصبح الآمر الناهي على شؤوننا؟ هل من الممكن أن يأتي يوم يسعى الروبوت للقضاء علينا واحتلال العالم بأسره؟ حقيقة الأمر ليس هذا ما يشغلني من قضية توغل الروبوتات قريباً داخل مجتمعاتنا، لكن ما أقلقني حقاً الأقاويل المتناثرة هنا وهناك بأن تطوير قدرات الروبوت ستجعله قادراً في المستقبل على تأليف قصة أو رواية على مستوى عالٍ من الجودة! فهل ستنجح بالفعل الروبوتات في كتابة عمل روائي تتوافر فيه جميع العناصر من حبكة وتحليل للشخصيات وسرد مشوق؟ هل من الممكن أن يسرق منا الروبوت، نحن الروائيين، قرّاءنا ويجعلهم يولوننا ظهورهم؟ من المعروف أن العلماء نجحوا في عمل برامج تكتب مقاطع شعرية، وتؤلّف مقاطع موسيقية، وهناك برامج قادرة على إلقاء النكات وتأليف كلمات غزل، فهل هذا يعني أننا سنقول قريباً «باي باي» أيضاً للشعراء والملحنين؟ هل سنجد يوماً روبوتاً يقف على منصّة ندوة، ويتحدّث بإسهاب عن روايته وظروف كتابته لها؟ هل سيجيء عصر تُصبح فيه كلمة «موهبة» من مخلفات الماضي بعد أن يُسيطر الروبوت على المشهد الإبداعي؟ الأديب عندما يكتب رواية أو قصّة قصيرة، فهو لا يكتب من فراغ! فالأعمال الأدبيّة في مجملها هي خلاصة الإنسانيّة، وصاحبها يعتمد في كتابة نصه على خبراته الحياتية وتجارب الآخرين وموروثه الثقافي والمعرفي، فكيف سيتمكن الروبوت من كتابة قصة أو رواية وهو لا يملك سوى مجموعة من الأربطة الكهربائية التي تعمل داخل دماغه والمجردة تماماً من الشعور البشري؟ ماذا عن القمع الفكري الذي تمارسه بعض حكومات العالم في حق مبدعيها الذين يتجرؤون ويخرجون عن الخط العام لمجتمعاتهم؟ كيف ستتم معاقبة الروبوت الذي غرّد خارج السرب؟ هل سيتم اعتقاله وتأديبه كما تفعل مع الأديب، أم سيتم غض النظر عن أفعاله كونه مجرد آلة؟ كل هذه التساؤلات التي وجدتُ لبعضها إجابة وفشلت في إيجاد إجابة لبعضها الآخر، لم تجعلني أتهيّب من هذا الروبوت! فالعمل الإبداعي الممزوج بروح المبدع المغلف بروح الحياة، هو الذي يصل بسهولة لقلوب الناس، ومهما قيل عمّا سيقوم به الروبوت في المستقبل، سيظل مجرد آلة لا يمكن لها أن تحب وتكره وتتطلّع لإرساء أمانيها على أرض الواقع. صحيح، أصبح أغلبيتنا يعتمد على الكومبيوتر في تصحيح الأخطاء النحوية والإملائية في نصّه الإبداعي، لكن هذا لا يعني أن المبدع فقد السيطرة على دنيا الإبداع وأن البساط سيُسحب من تحت قدميه قريباً! يظل الإنسان بلحمه وشحمه هو سيد الموقف إلى أن تقوم الساعة ويرث الله الأرض بمن عليها.