نتيجة لانخفاض أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية، انخفضت أسعار الوقود المستخدم في السيارات والتدفئة في دول الغرب إلى معدلات قياسية قد تكون لها انعكاسات ملحوظة على مداخيل الأفراد وإنفاقهم على السلع والخدمات الأخرى. وتشير التقارير التي تنشرها الجهات الاقتصادية المتخصصة إلى أن معدل الدخل الفردي في الولايات المتحدة وصل إلى مستويات عالية مؤخراً، وهي المرة الأولى منذ أزمة عام 2007-2008 المالية. كما وصل الإنفاق الحقيقي من قبل المستهلكين الأفراد إلى معدلات مرتفعة، فيما وصلت مبيعات السيارات إلى مستويات عالية أيضاً. ورغم أن الأزمة الاقتصادية الحادة في الولايات المتحدة لم يتم تجاوزها بعد، ولا يزال ملايين الأميركيين يعانون من البطالة والصعوبات المالية.. فإنه في المتوسط، وباستخدام المقاييس العريضة للأداء الاقتصادي، فإن الكساد آخذ في الانحسار التدريجي. والملفت للنظر أن اقتصاد الولايات المتحدة يبدي قدرة على التعافي حالياً من أزماته التي يمر بها، في حين أن الاقتصادات الأوروبية لا تزال جميعاً متعثرة وقريبة من الكساد، وقد يعود ذلك إلى عامل مهم تتحكم فيه قوتان، الأولى هي أن أوروبا اختارت طريق التقشف المالي، في حين أن الولايات المتحدة اختارت طريق زيادة الإنفاق والتحفيز. والثاني أن الولايات المتحدة تسيطر على جانب كبير من إنتاجها النفطي، خاصة بعد استخدامها للنفط الصخري ووسائل الطاقة البديلة الأخرى كبدائل، في نفس الوقت الذي تتحكم فيه عبر عملتها الوطنية بالطرق التي تشاء. أما دول الاتحاد الأوروبي فمعظمها غير منتج للنفط ولا تسيطر على العملة المستخدمة لديها بشكل فردي. إن معظم التحليلات الاقتصادية بدأت وانتهت هناك متوصلةً إلى خاتمة مفادها أن القوة الثنائية لكل من ارتفاع وانخفاض أسعار النفط والتقلبات النقدية أبطأت دون سبب منطقي استفادة دول أوروبا من انخفاض الأسعار الحالية وأخرت التعافي الاقتصادي الأوروبي وكلفت اقتصادات دوله كثيراً. وتشير الجهات النفطية المتخصصة إلى أن الأسعار ستواصل انخفاضها، وقد يستغرق استقرارها وقتاً طويلا باتجاه البترول، بحيث تصل أسعار نفط بعض الدول من خارج «أوبك» إلى 25 دولارا للبرميل، خاصة النفط الروسي. وإذا ما كان الأمر يتعلق بتأثير انخفاض أسعار النفط على اقتصادات دول الغرب، فإن معرفة ذلك التأثير بدقة ليس بالمسألة السهلة. فتحديد أسباب عمل اقتصادات الدول عادة ما تكون غير ممكنة بدقة لأنه يصعب إجراء تجارب علمية بهذا الشأن، لكن أزمة عدم استقرار الأسواق النفطية حالياً تزود الباحثين في الشأن الاقتصادي والسياسي بحقيقة أن المشكلة الحالية تفاقم من مشكلات الدول المنتجة خاصة تلك التي تعتمد على النفط كلية في تمويل موازناتها العامة. ويقابل ذلك أن الدول المستهلكة تستفيد من انخفاض الأسعار، وكل شخص فيها يحصل على جزء من الكعكة، ولو إلى حين، وهذا الأمر يفتح نافذة أمام العالم تتيح للبشرية أن ترى كيف تتصرف الأمم المختلفة حيال أزمة محددة؛ البعض يستفيد منها ويتعافى نتيجة لذلك، والبعض الآخر يصيبه السقم. إن أزمة انخفاض الأسعار الحالية وفي القادم من الأيام ستشكل هزة اقتصادية مشابهة لهزات كثيرة سابقة، وعلى الإمارات كدولة منتجة أن تتوقع أن ما يحدث حالياً في أسواق النفط سيؤثر عليها ولو بعد حين، وأن تمتص ما قد يسببه لها ذلك من صدمات، وانخفاض الأسعار حقيقة قائمة في زمن حقيقي يعيشه الجميع.