صدر مؤخراً كتاب بعنوان «نقاط الاشتعال.. الأزمة الناشئة في أوروبا»، لمؤلفه الخبير الاستراتيجي جورج فريدمان، والذي يحاول من خلاله تتبع أسباب الأزمة الحالية في أوروبا، والتي من فصولها الممتدة وحلقاتها المتواصلة رجوع المشكلة اليونانية لتطفو على السطح بتبعات اقتصادية وسياسية لا تتوقف عند دولة على واحدة، بل تمتد إلى مجمل الفضاء الأوروبي. فالكاتب يبدأ بتلخيص جذور الأزمة الأوروبية في رواياتها المختلفة، حيث الانهيار المالي الذي انطلق في 2008، وكان أساسه عجز أصحاب الرهون العقارية في أميركا عن سداد أقساطهم، وتداعي المؤسسات الدائنة التي انكشفت أمام تهورها ومجازفاتها المالية غير المحسوبة. ولأن المعاملات المالية متشابكة عبر ضفتي الأطلسي، يقول الكاتب، انتقل لهيب الأزمة بسرعة ليكتوي به الاتحاد الأوروبي في شكل ديون سيادية عجزت الحكومات عن الاستمرار في تمويلها من خلال السندات، فكان لابد والحال هذه من تدخل حكومي ما ليوقف كرة الثلج المتدحرجة قبل أن تأكل في طريقها الأخضر واليابس، وهنا ظهر الخلاف بين الدول الأوروبية حول الطريقة الأمثل للتعامل مع الأزمة. فمن جهة برزت وجهة النظر الألمانية والقائلة بأن معضلة الديون السيادية هي نتيجة السياسات الاجتماعية غير المسؤولة لليونان، التي تعتبر الدولة الأوروبية الأكثر استدانة، أما التصور الآخر للأزمة فيحمل المسؤولية لألمانيا نفسها باعتبارها تعتمد، وهي رابع أكبر اقتصاد في العالم، اعتماداً مفرطاً على التصدير، إذ تشكل الصادرات 50? من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعني أن الاتحاد الأوروبي بفضائه التجاري الحر وحدوده المنعدمة أمام حركة السلع والبضائع، يمثل بالنسبة لألمانيا سوقاً لتصريف منتجاتها وضماناً لا محيد عنه لازدهارها. أما الديون التي خصصتها برلين لإنقاذ اليونان، فإنها، يقول الكاتب، كانت مخصصة في الحقيقة لإنقاذ نفسها، لأنها بتلك الديون تشجع المستهلك اليوناني وغيره في الفضاء الأوروبي على اقتناء بضائعها، هاتان الروايتان المختلفتان يترتب عليهما حلان متباينان للأزمة، فلو أُخذ بالقراءة الألمانية فإن ذلك يعني أنه على اليونان تحمل مسؤولية ديونها بالكامل وسدادها من خلال إقرار خطة للتقشف وتقليص الإنفاق الحكومي. لكن وفقاً للكاتب يبقى التغير الأهم وهو ذلك الذي سيقود إلى إغلاق الحدود والإضرار بألمانيا نفسها، والتي تشددت في تشطيب ديون دول الجنوب الأوروبي أدت إلى تنامي المشاعر المناهضة للاتحاد الأوروبي عبر الأحزاب المنادية إما بالانسحاب منه أو بإغلاق الأبواب أمام المهاجرين والعمال القادمين من أوروبا الفقيرة. وهذا الأمر قد يتطور إلى مطالبة بإغلاق الحدود أمام البضائع القادمة من الخارج والانخراط في سياسات حمائية تقوض الأساس الذي بني عليه المشروع الأوروبي الموحد والمتمثل في خلق منطقة للتجارة الحرة. وفي هذه الحالة سيكون الخاسر الأكبر هو ألمانيا نفسها لاعتمادها المفرط على الصادرات، فليس الضرر الأكبر على أوروبا سقوط العملة الموحدة بقدر ما هو انكفاء الدول داخل حدودها وانتهاج سياسة الانغلاق الاقتصادي. بيد أن هذا المآل القاتم هو ما تحاول اليوم أوروبا تفاديه من خلال سياسات يبدو أنها جاءت متأخرة، فقد سعى البنك المركزي الأوروبي قبل فترة للتخفيف من وطأة التقشف بعد خمس سنوات من الخناق المضروب على اليونان وغيرها، مما لا يبدو أنه نجح في إطلاق دينامية النمو، ففتح صنبور السيولة ليصب في البنوك الأوروبية من خلال سياسة التيسير الكمي، وتحميل مسؤولية شراء السندات الحكومية للبنوك القومية.. لكنها سياسات يعتقد الكاتب أنها لن تكبح التشظيات الكبرى، التي بدأت تشق بيت الاتحاد الأوروبي، بل أكثر من ذلك يحذر من عودة الاضطرابات الجيوسياسية إلى أوروبا في ظل ما تشهد أوكرانيا، وأيضاً حالة الاستقرار الهش في البلقان وأوروبا الشرقية. زهير الكساب الكتاب: نقاط الاشتعال.. الأزمة الناشئة في أوروبا المؤلف: جورج فريدمان الناشر: دابلداي تاريخ الناشر: 2015