شهدت ليبيا بعد إطاحة نظام القذافي حراكاً أمازيغياً فرض نفسه على تفاعلات المرحلة الانتقالية، إضافة إلى التعقيدات الجهوية والقبلية والمذهبية في المشهد الليبي والاحتكام إلى السلاح في الصـراع السياسـي. لكن أزمة الاندماج الوطني في ليبيا تتجاوز المسألة الأمازيغية؛ وذلك بسبب أربعة عوامل؛ الدين والقبلية والجهوية واستخدام السلاح. وكما يوضح بلال عبدالله، الباحث المهتم بالظواهر الاحتجاجية والتحولات السياسية والاجتماعية في العالم العربي، في كتابه «الحراك الأمازيغي ?وديناميات الحياة السياسية الليبية»، فقد عانى الأمازيغ التهميش جراء سياسات القذافي، التي لم تراعِ عدالة توزيع التنمية بين الأقاليم الثلاثة للبلاد؛ برقة وطرابلس وفزان. لذلك فقد شهدت ليبيا، عقب اندلاع ثورة 17 فبراير 2011 وإطاحة نظام القذافي، حراكاً أمازيغياً فرض نفسه على تفاعلات المرحلة الانتقالية. ويشرح الكتاب كيف أتت تفاعلات ذلك الحراك بالعودة إلى جذور المسألة الأمازيغية في ليبيا، وسياقات ولادتها وتطورها، مبيناً أن المجتمع الليبي عموماً يتسم بدرجة عالية من التجانس الديني والمذهبي؛ فجميع السكان تقريباً هم من المسلمين، وعلى صعيد المذهب ينتمي أغلبهم للمذهب المالكي، باستثناء الأمازيغ الذين يتبع معظمهم المذهب الإباضـي. لذلك يسعى الكتاب لاستكشاف أبعاد الحراك الأمازيغي في تفاعله مع العوامل الأربعة المنتجة لأزمة الاندماج الوطني في ليبيا؛ فما أبرز المطالب الأمازيغية؟ وما إشكاليات المشاركة السياسية للأمازيغ؟ يتوزع الأمازيغ في ليبيا إلى قبائل عدة، يمثلون إجمالا ما بين 5 و10% من مجموع عدد السكان البالغ نحو ستة ملايين نسمة، ويتركزون في منطقة الشمال الغربي المعروفة بطرابلس وجبل نفوسة ومنطقة زوارة، علاوة على بعض المناطق الساحلية والجبلية الأخرى. وقد تبلور التعبير عن الهوية الأمازيغية في ليبيا خلال السنوات الماضية الأخيرة على أيدي النشطاء الأمازيغ في بلاد المهجر، ومن ذلك تأسيس «المؤتمر الليبي للأمازيغية» في لندن عام 2000، أما بعد إطاحة القذافي فتم تأسيس «المؤتمر الوطني الأمازيغي الليبي» الذي عقد لقاءه الأول في سبتمبر 2011، حيث صارت هناك «مسألة أمازيغية» في ليبيا، وأصبح الأمازيغ يطالبون بترسيم لغتهم، ورد الاعتبار للمذهب الإباضي، مع مطالبات أخرى مثل تمثيلهم وزارياً. وقد لعبت المجالس المحلية في المدن الناطقة بالأمازيغية دوراً موسعاً في هذا المجال، وأسهمت في ترسيخ النزعة المناطقية المضادة لمركزية الدولة. لكن هل تؤدي المغالاة في الارتكاز على الهوية الإثنية لدى الأمازيغ إلى حل المشكلات التي يعانيها المواطن الليبي ذو الأصول الأمازيغية؟ يعتقد الكاتب أن سياسات الاندماج الطائفي التي عمل من خلالها القذافي على إلغاء الوجود الأمازيغي، فشلت في تحقيق هدفها بقدر ما أدت إلى مراكمة الشعور بالاضطهاد لدى الأمازيغ؛ وهو ما أفضى إلى تلك الراديكالية الواضحة في الخطاب الأمازيغي عقب سقوط القذافي. وهكذا فالحراك الأمازيغي الذي يتغذى على أزمة الاندماج الوطني، هو في الوقت ذاته أحد أسباب مفاقمتها. لذلك يعتقد المؤلف أن معضلة الأمازيغ هي أنه نظراً لكونهم يشكلون أقلية ذات خصوصية ثقافية، فإن انخراطهم بشكل إيجابي في تفاعلات العملية السياسية، من شأنه المساعدة على تحقيق الاندماج المأمول، على عكس ما قد يفضـي إليه أي من خياري العزلة أو العمل على تقويض جهود بناء الدولة. لكن بالمقابل نجد أن ارتهان تحقيق الاندماج بانخراط الأمازيغ في العملية السياسية يظل مسألة نظرية؛ فالعملية السياسية نفسها تعاني أزمة اندماج وطني على خلفية ارتهان التفاعلات السياسية بعد الثورة لعوامل الدين والقبلية والجهوية والسلاح. ورغم سلمية الحراك الأمازيغي في ليبيا، فليس من المستبعد لجوء الأمازيغ إلى السلاح، لذلك ينبغي رفع الظلم الواقع على الليبيين من أصول أمازيغية، والإقرار بحقوقهم اللغوية والثقافية، وعدم اللجوء إلى صوغ أي سياسات تؤثر سلباً على الهوية الأمازيغية. محمد ولد المنى الكتاب: الحراك الأمازيغي ?وديناميات الحياة السياسية الليبية المؤلف: بلال عبدالله الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2014