يُجرى حالياً عدد من الدراسات والبحوث حول العالم، في محاولة لتطوير نوع جديد من هرمون الأنسولين، يعرف بالأنسولين الذكي (Smart Insulin)، الذي يؤمل أن يحقق ثورة واختراقاً هائلاً في علاج داء السكري من النوع الأول، وبعض حالات النوع الثاني، التي يتلقى فيها المرضى علاجاً بهرمون الأنسولين. ولذا بدلاً من الروتين المتبع حالياً لبعض مرضى السكري، والمتمثل في تكرار فحص مستوى السكر مرات عدة خلال اليوم، وتلقي حقن عدة من الأنسولين على مدار اليوم، للحفاظ على مستوى السكر ضمن الحدود الطبيعية، يمكن لجرعة واحدة في اليوم -أو ربما حتى مرة واحدة في الأسبوع- من الأنسولين الذكي، أن تحقق هذا الهدف نفسه. وتعتمد فكرة الأنسولين الذكي، على إدخال تعديل كيميائي على نوع من الأنسولين متاح حالياً بالفعل، ويعرف بالأنسولين طويل المفعول، بحيث يتم إلصاق جُزَيْء كيميائي خاص في نهايته. ويقوم هذا الجُزَيْء بربط هرمون الأنسولين بالبروتينات الموجودة في الدم، عند انخفاض مستوى السكر، مما يعطله عن العمل ويبطل مفعوله. ولكن عند ارتفاع مستوى السكر في الدم، بعد تناول الوجبات أو الحلويات مثلًا، يتحرر هذا الجزيء من بروتينات الدم، وينطلق الأنسولين لأداء مهمته في إدخال السكر في الخلايا، ومن ثم خفض مستواه في الدم. وحسب ما نشر في إحدى الدوريات العلمية المرموقة، أظهرت هذه الفكرة فعاليتها في التجارب التي أجريت على الحيوانات، ولذا يخطط العلماء لبدء التجارب على البشر، وإن كان تأكيد فعاليتها وأمنها وسلامتها للاستخدام البشري قد يستغرق سنوات عدة، قبل أن يصبح الأنسولين الذكي متوافراً للمرضى في الصيدليات. وتحقق هذه الفكرة فوائد عدة للمرضى، ربما كان من أهمها درء خطر الانخفاض الحاد في مستوى السكر في الدم، إذا ما كانت جرعة الأنسولين زائدة عن الحاجة، إما لخطأ غير مقصود من المريض، أو لعدم تناوله وجبة طعام مساوية لجرعة الأنسولين، أو لممارسته النشاط البدني بدرجة زائدة عن الحدود المعتادة له. وتظهر أعراض الانخفاض الحاد في مستوى السكر، في شكل حالة من الانزعاج والضيق النفسي، أو الشعور بالدوران والارتباك، وتلعثم الكلام، وفي الحالات الشديدة قد يفقد المريض وعيه، فيما يعرف بغيبوبة السكر، التي قد تؤدي إلى تلف دائم بالمخ، أو ربما حتى الوفاة. ويمكن للأنسولين الذكي تجنب حدوث هذا الخطر، من خلال مقاربة نشاطه لمستوى السكر في الدم، بحيث يزداد مستوى نشاطه مع ارتفاع مستوى السكر، وينخفض مع انخفاضه، مما يقي المريض من الانخفاض الشديد. وعلى الجانب الآخر، وبـ«الميكانيزم» السابق نفسه، يمكن للأنسولين الذكي، منع ارتفاع مستوى السكر إلى مستويات خطيرة، الذي يؤدي -على المدى الطويل- إلى تلف بعض الأعضاء، خصوصاً الكليتين، والأعصاب، والقلب والشرايين، وشبكية العين، والساقين والقدمين. وبخلاف ضبط مستويات السكر في الدم بشكل مقارب للمستويات الطبيعية، يحقق الأنسولين الذكي فائدة أخرى أيضاً، تتمثل في إراحة المريض من عملية قياس السكر مرات عدة، وحقن نفسه بالأنسولين، مرات عدة في اليوم الواحد، وهما الغرز والحقن، اللذان قد يصلان إلى خمسين مرة خلال الأسبوع الواحد. وسعياً لتحقيق هذه الفوائد سابقة الذكر، يبذل المجتمع العلمي جهوداً حثيثة منذ سنوات، لإيجاد وسيلة أخرى لعلاج مرضى السكري المعتمدين على الأنسولين، غير أسلوب الحقن تحت الجلد المستخدم حالياً. فقبل بضع سنوات، قامت إحدى شركات صناعة الأدوية المشهورة، بتسويق أنسولين يتم تعاطيه عن طريق الاستنشاق. وعلى رغم الفوائد الواضحة لمثل هذا الأسلوب، إلا أنه يعيبه عدم القدرة على التحكم في الجرعة بدقة كما هي الحال في الحقن، بالإضافة إلى احتمال تسببه في نوبات شديدة من الأزمة الشعبية بين المرضى المصابين أساساً بالأزمة، مع زيادة احتمالات الإصابة بسرطان الرئة، خصوصاً بين المدخنين. وأمام هذه السلبيات المرتبطة بالأنسولين المستنشق، اتجه البعض لفكرة تطوير أنسولين يمكن تعاطيه عن طريق الفم. ولكن دائماً ما اصطدمت هذه الفكرة بكون الأنسولين نوعاً من البروتين، مما يعرضه للتلف عند اختلاطه بإنزيمات الهضم وبعصارة المعدة الحمضية. وتشير التقديرات والإحصائيات الدولية إلى وجود حوالي 400 مليون شخص مصابين بالسكري حول العالم، وهو ما يشكل أكثر من 8 في المئة من البالغين، و90 والمئة منهم مصابون بالنوع الثاني من السكري. وتقدر منظمة الصحة العالمية أن السكري تسبب في وفاة أكثر من 1,5 مليون شخص خلال عام 2013، مما يضع السكري في المرتبة الثامنة على قائمة أسباب الوفيات بين أفراد الجنس البشري.