لا يمكن وصف سلوك جماعة «الإخوان المسلمين» الإرهابية بعد أن أسقط الشعب حكم «الإخوان» الديكتاتوري في 30 يونيو إلا بخداع الذات! وقد برزت مؤشرات خداع الذات بالزعم «الإخواني» أن الملايين التي خرجت في 30 يونيو أقلية ولا يكونون أغلبية. والزعم الثاني أن 30 يونيو التي خططت لها المبادرة الشعبية التي تمثلها حركة «تمرد» هي «انقلاب» وليست ثورة. وذلك لأن القوات المسلحة بقيادة الفريق أول السيسي وقتها وقفت بكل جسارة في صف الإرادة الشعبية التي عبرت عن رفضها المطلق لمحاولات «الإخوان» الفاشلة لأخونة الدولة وأسلمة المجتمع. وهذه السياسة تمثلت في خطة إقصاء منهجية لكافة القوى السياسية في البلاد، ابتداء من الهيمنة الكاملة لجماعة «الإخوان المسلمين» على تشكيل اللجنة التأسيسية التي شكلت لوضع الدستور، والتي صدر حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلانها لعوار قانوني أصاب تكوينها، والإصرار في اللجنة التأسيسية الثانية على نفس سياسة الإقصاء مما دفع بكافة الفئات الليبرالية للانسحاب منها. ويبدو أن جماعة «الإخوان» سعدت للغاية بهذا الانسحاب لأنه فتح الباب أمامها واسعاً وعريضاً لصياغة دستور يعبر عن تحيزات الجماعة السياسية بدلًا من تعبيره عن إرادة الشعب. وسرعان ما كثفت اللجنة التأسيسية لوضع الدستور من اجتماعاتها ليل نهار حتى يطرح الدستور على الاستفتاء بسرعة، وبعد ذلك تدعي الجماعة أنه تمت الموافقة الشعبية عليه، ومن ثم تجرى الانتخابات النيابية بسرعة وبذلك -بحكم ثقة الجماعة أنها ستستطيع بكل صور التزوير المعنوي وخلط الدين بالسياسة- الحصول على الأغلبية، ومن ثم تشكيل وزارة «إخوانية» خالصة. وبذلك تعد الخطوة الأولى في الهيمنة الكاملة على كل المؤسسات السياسية في الدولة ممثلة في مجلسي الشعب والشورى والوزارة ورئاسة الجمهورية. وبعد ذلك يتم الانتقال إلى الخطوة التالية وهي تأسيس دولة دينية خالصة، تمهيداً لتأسيس «خلافة إسلامية» عاصمتها القدس كما صرح بذلك أحد قادة الجماعة البارزين، وتتحول مصر إلى مجرد ولاية إسلامية من بين ولايات متعددة. وثالث هذه المزاعم أن مظاهرات أعضاء جماعة «الإخوان المسلمين» هي سلمية مشروعة ولا ينبغي التضييق عليها أو ملاحقة أعضائها! وأريد اليوم الكشف عن الملامح الرئيسية لسياسة خداع الذات «الإخوانية» من خلال «دراسة حالة» نموذجية للتفسير «الإخواني» المراوغ لوقائع الإرهاب «الإخوانية». وهي تتمثل في رسالتين إلكترونيتين وجههما لي أستاذ جامعي يقيم منذ سنوات في الولايات المتحدة الأميركية هو الدكتور «علي فرج» أستاذ الهندسة الكهربية وعلوم الحاسب بجامعة «لويزفيل». وقد تعود الدكتور «علي فرج» على التعقيب على مقالاتي التي أنشرها في «الأهرام» معترضاً على أغلب الأطروحات التي أقدمها، ومنتصراً بصورة مطلقة لأفكار جماعة «الإخوان المسلمين»، ومدافعاً عن كل سلوكياتها ومنكراً لكل جرائمها في حق الشعب المصري. وسأقدم صورة أمينة لأفكار الدكتور «علي فرج» التي تمثل للأسف الشديد صورة نموذجية لخداع الذات. وقد اندهشت للغاية كيف لأستاذ جامعي مرموق أن يفسر الأحداث التي جرت في مصر قبل 30 يونيو وبعدها في ضوء أوهام غير حقيقية مهما حاول أن يسبغ عليها العمق الفكري. يقول الدكتور «علي فرج» وأنا أقتبس من رسالته الأولى: «قلت كثيراً إن معادلة الحكم بمصر صارت معلومة فهي تصف تعداد وعدد الذين أرادوا الانقضاض على الديمقراطية التي أتت بالإخوان في حراك ما بين 25 يناير 2011 وحتى 3 يوليو 2013 وهم: 1- النصارى 2- الصوفيون 3- عائلات الجيش والشرطة والقضاء والحزب الوطني وسائر من لا يروق لهم التيار الإسلامي. وتلك التجمعات تشكل كل منها تجمعاً انتخابياً لخمسة ملايين... وتلك الملايين العشرون أو نحوها هي التي قادت سائر ما حدث منذ 3 يوليو 2013 سواء في المظاهرات التي أفشلت مرسي، اعتماد الدستور، انتخاب السيسي.. الخ، وأسوأ ما تواطأ الجميع هو استمرار القتل ونفي طائفة الإخوان المسلمين من الوطن..». ويصاب المرء بدهشة بالغة مبعثها كيف يمكن لأستاذ جامعي أن يقدم على هذا التصنيف الهزلي للفئات التي خرجت في 30 يونيو؟ دعك من تزييفه المتكرر للأعداد والادعاء أنها لا تزيد عن 20 مليون شخص. والسؤال الأهم ما هو منطق هذا التزييف للفئات التي شاركت في الانتفاضة الجماهيرية في 30 يونيو؟ وكيف قبل عقله «العلمي» هذا الهراء من تقسيمهم إلى نصارى وصوفيين وعائلات الجيش والشرطة والقضاء والحزب الوطني «وفوق البيعة» سائر من لا يروق لهم التيار الإسلامي؟ ويتساءل في فقرة أخرى هل لمصر من رأي؟ ويجيب -لا فض فوه- قائلاً: «ويتنطع المصريون ويتمادون في الملهاة مع نهج السيسي باستسلام غير مسبوق». وهكذا تفضل هذا الأستاذ الجامعي «الإخواني» بهذا الوصف المهين لملايين المصريين الذين نجحوا في إسقاط الرئيس السابق المعزول محمد مرسي وحكم «الإخوان» الديكتاتوري بأنهم «متنطعون ومستسلمون» بصورة غير مسبوقة! وفي فقرة أخرى يقول «ونحن نريد لمصر أن تكون لها رؤية فلا تترك أمرها للانقلابين وقائدهم»! ترى هل كل الملايين التي خرجت لإسقاط حكم «الإخوان» انقلابيون هكذا ببساطة؟ ويقول «ولنسعَ في المصالحة مع جميع الطوائف ونرفض الظلم على الإخوان». عجيب أمر الدكتور «علي فرج». مصالحة مع من؟ مع أعضاء «الإخوان المسلمين» الذين أعلنوا الحرب على الشعب، والذين من قاعدتهم في تركيا التي كوّنوا منها برلماناً وهمياً من ثلاثين عضواً في المجلس «الإخواني» المنحل يطوفون أنحاء العالم زاعمين أنهم البرلمان الشرعي؟ هذا عن الرسالة الأولى، أما الرسالة الثانية فهي تعقيب على مقالي الذي نشر في «الأهرام» في 5 فبراير بعنوان «الجيش يدافع عن العالم في مواجهة الإرهاب». وهو يحاول فيها الزعم بأن هناك فرقاً بين قيادة الجيش والجيش ذاته! ما هذه البراعة في تزييف الحقائق؟ ومن ناحية ثانية فهو ينكر جهاراً نهاراً أن جماعة «الإخوان المسلمين» لها أي علاقة بالإرهاب! إذن كيف يوصّف سيادته الإرهاب اليومي في مدن مصر الذي ترتكبه الخلايا الإرهابية «الإخوانية»؟ سيطول بنا الحديث لو ناقشنا الدكتور «علي فرج» فقرة فقرة، ولذلك أكتفي بالإشارة إلى مبادرة صاغها وهي تتشكل من أربعة بنود. الأول العفو العام عن سائر المسجونين في قضايا سياسية (هكذا حتى أولئك الذين حرضوا على العنف أو مارسوه بالفعل!) ثانياً دفع الدية لقتلى الرأي منذ 25 يناير 2011، والسؤال هنا ما حكاية الدية؟ والبند الثالث إعادة انتخاب البرلمان والمجالس المحلية بلا إقصاء لجماعة أو فكر. والبند الرابع والأخير أن يتم تحويل الإعلام القومي لنمط هيئة الإذاعة البريطانية وتلغى الهيمنة الحكومية على توجهات الرأي العام. هكذا تكلم الدكتور «علي فرج» ويا ليته لم يتكلم -على الأقل- احتراماً للمنهج العلمي الذي درسه باعتباره استاذاً أكاديمياً مرموقاً، وبدلًا من أن ينغمس بقوة في سياسة خداع الذات!