لماذا ينقلب التحول الديني، وهو شأنٌ يفترض أنه بين المرء وربّه، حطباً لنار الكراهية المستعرة أصلا؟ ولماذا يختار بعض المتحولين الاصطفاف في اللون الأسود وليس الأبيض أو حتى الرمادي إذا افترضنا أن التباعد بين دينين أو مذهبين يتدرج من الأبيض إلى الأسود؟ ولماذا يتحول المسيحي إلى «داعشي»؟ ولماذا يصف المسلم المتحول إلى المسيحية نفسه بأنه «إرهابي سابق»؟ ولماذا يلتحق السُني أو الشيعي المتحول إلى المتشددين والمكفِّرين من الطرفين وليس المعتدلين من المكونين؟ لعل أول ما يمكن قوله هنا أن المتحول يشعر بأنه وُلد من جديد، وبأنه في حاجة إلى من يتبناه ويبث الثقة فيه والطمأنينة إليه، فينتهي غالباً بين أيدي المتدينين، والذين يكثر في صفوفهم المتشددون، فيتخذه هؤلاء حجة على صدق دعواهم، ودليلا عملياً يرفعونه في وجوه خصومهم، وينظرون إليه باعتباره هدفاً أحرزوه في مرمى المتشددين على الجانب الآخر من ملعب الصراع الديني والمذهبي. لكن الآخرين لا يستسلمون بطبيعة الحال للنتيجة، ويشنون حملة شعواء على صاحبهم القديم، ويقللون من أهمية الهدف عبر تشويه دوافعه، من قناعات ذاتية إلى بيع وشراء، أو في أحسن الأحوال ينظرون إليه باعتباره ضلّ من بعد الهدى، وكلما أمعنوا في حملتهم انزاح المتحول أكثر نحو التباعد. كما أن المتحول يجد نفسه في موقف من يكتشف خيانة شريكه الذي تلاعب طويلا بمشاعره وضحك على عقله، إذ المتحول، الذي هو بالبداهة يعد الدين محوراً لحياته، وإلا ما تكلّف عناء انتزاع نفسه ومشاعره بالتحول من دين أو مذهب إلى آخر، يشعر بأنه خُدع، وضُلل، واستغِل، فتستحوذ عليه مشاعر الكراهية. وقد ينتابه الشعور بالعظمة، ويعتقد أنه أهم من مجرد متحول يمشي بجانب الحيطان، ولهذا يبدأ في ما يعتبره فضحاً للأكاذيب، وهذا يمنحه الشعور بأنه يضع الحقيقة أمام العالم، ويحظى بمكانة خاصة لدى جماعته الجديدة، باعتباره متحولا عن قناعة، ويلقى في الوقت نفسه عداوة من جماعته السابقة تفوق عداوتهم لمن ورثوا الدين أو المذهب الذي تحول إليه عدوهم الجديد. وربما يعتقد المتحول أنه مطالب بالتكفير عن ماضيه، وأن من واجبه هداية الضالين من أهل دينه أو مذهبه السابق، فيقعد لهم بالمرصاد، ويسفّه عقائدهم ويسخر من أفكارهم، وغالباً ما يقوم بتشجيع ودعم إخوته الجدد الذين هم من المتشددين، وهذا كله يدخله في دائرة السجال والجدال، مع ما يصاحبها من تحدٍ وخصومة وكراهية وبغض وحقد، خصوصاً إذا كانت خلفيته دينية، أي متخصصاً في علوم الدين، إذ يخصص له مكان بارز على طاولة الجدال والمناظرات، أما إذا كان من غير المتخصصين، فإنه غالباً ما يمارس تشدده بيديه. وما دامت التحولات الدينية والمذهبية يغلب عليها فقه الغلبة والتغالب، وليس فقه التنوع والتعايش، بحسب وصف الباحث «هاني نسيره» في كتابه «المتحولون دينياً»، فإن هذه التحولات، مع الإقرار بحق المرء في التحول، ستغذي غول الكراهية الذي لديه أساساً ما يسد حاجته لقرون قادمة.