مع تقدم تكنولوجيا الاتصال، وسرعة تبادل المعلومات ودقتها، عبر البرمجيات.. حصل تراجع على الجانب الآخر، جرّاء «التكالب» على الالتحاق بالمؤسسات الإعلامية من قبل مَن لا يحملون المؤهلات اللازمة لدخول مجال الإعلام، مما ساهم في ظهور جيل من الإداريين الإعلاميين غير الملمين بالمهنة الإعلامية. إن التطور التكنولوجي مطلوب، وهو يساهم في سرعة ودقة نقل المعلومة والصورة، لكن ذلك يجب ألا يجعلنا نحيد عن الأسس العلمية للنشر أو البث. ففي مجال الصحافة، نلاحظ وجود «خروقات» واضحة لكيفية صياغة الخبر أو التحقيق أو المقابلة الصحفية، كأن يكتب عنوان التحقيق أو المقابلة من رأس المحرر دون أن يرد في حديث الضيوف أو المستجوبين! وهذا مخالف لمبدأ الحياد والأمانة. كما نلاحظ خروجاً على تقاليد المهنة عبر استخدام الصور في غير مكانها، مجاملةً للضيف أو للمؤسسة. إن الخروج عن المهنية في الصحافة أقل بكثير من الخروج عليها في الإذاعة والتلفزيون؛ لأنه في الصحافة يوجد مهنيون درسوا الفن الصحافي ويتم تعيينهم على هذا الأساس، لكن الالتحاق بالإذاعة والتلفزيون، في كثير من الحالات، يخالف الأعراف المرعية في هذين المرفقين. فأول اشتراطات مذيع التلفزيون أن يكون ذا وجه مقبول، وأن يكون قادراً على استخدام لغة التواصل عبر الوجه، خصوصاً تواصل العينين، مع بشاشة وانشراح. لكننا نلاحظ وجوهاً تحمل كآبة واضحة، فهي لا تبتسم في مواجهة الكاميرا، والأدهى أن تقوم إحداهن بتقديم برنامج بشكل وعظي توجيهي، وكأنها توجه كلامها للطالبات! بل نشاهد على بعض الشاشات وجوهاً لم يخلقها الله للتلفزيون، أصحابها لا يجيدون الحوار، وليست لديهم «طلة بشوشة»، بعضهم لم يكمل تعليمه الجامعي، وهم يفتقدون اللغة العربية والثقافة معاً! هذا، ناهيك عن جمود الوجه، وسطحية التعليقات على كلام الضيف، والدخول في أحاديث متخصصة جداً دون امتلاك الخلفيات المعرفية اللازمة لذلك! ومن المظاهر الأخرى، توظيف شباب والزج بهم أمام الكاميرا أو المايكرفون دون تدريب كافٍ، ودون أن تكون لديهم خلفية تلفزيونية أو إذاعية أو حتى قدرات لغوية وإمكانات ثقافية. وهناك مظهر آخر، ألا وهو الاعتماد على جمال وجه المذيعة والتغاضي عن جميع الاشتراطات المهمة الأخرى، مثل اللغة وسلامة النطق والثقافة العامة. نحن لسنا ضد الوجوه الجميلة، فهي تجلب الراحة والبهجة، لكن لا يجب أن تتحول المذيعة إلى «دمية» يحكمها النص أو يحركها المعد عبر سماعة الأذن، دون أن تستطيع فهم الحوار، بل ربما تردد سؤالاً أجاب عنه الضيف. لا يختلف الأمر في الإذاعة أيضاً، إذ نلاحظ بعض حالات الخروج على المهنية في موجة البرامج التي يسمونها «التلقائية» والموجهة للشباب. والتعويل على نهج «التلقائية» قد يستهلك وقت البرنامج في تعليقات شخصية لا تناسب العصر ولا تضيف شيئاً إلى المستمع. كما نلاحظ وجود أفكار مكررة ومستوحاة من برامج تم بثها قبل 40 عاماً، ونسمع قراءات لبيانات رسمية بصورة مكسرة فيها قتل للغة العربية بصورة واضحة، بل هناك تفصيل لبعض النشرات، حيث لا يتقن المذيع أو المذيعة اللغة العربية، فيتم تفصيل النشرة على أساس أن يقرآ المذيع سطراً واحداً، وبقية الخبر تكون عبارة عن تقرير يقرؤه أحد المذيعين المؤهلين من الجيل السابق. لن أتحدث عن موجة الاستهلاك التي تروج لها بعض البرامج، مع تراجع واضح للبرامج الثقافية الإثرائية والتراثية التي تربط جيل اليوم بحياة الآباء والأجداد. وللأسف، تم فصل جيل اليوم من الإعلاميين عن جيل الأمس، ولم تتح له فرصة أخذ التجربة والإثراء ممن سبقوهم من المذيعين والمعدين والمحررين، الذين أثبتوا جدارة وكان لهم حضور قوي في السابق. يحتاج الأمر إلى مراجعة تتيح للقنوات الخليجية بث رسائل ناجحة، وأهم خطوة في هذا الصدد هي تدريب المذيعين والمحررين، وتغيير نظرة الإدارة لمهنة المذيع والمعد والمحرر.