تابعت باهتمام بالغ الكلمة الافتتاحية المليئة بالتفاؤل والثقة، التي ألقاها سمو الشيخ محمد بن زايد آلِ نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة قبل يومين، في القمة الحكومية الثالثة في دبي. تابعتها وأنا أدرك وأشاهد كيف تفكر وتعمل القيادة الإماراتية من أجل إسعاد الإنسان الإماراتي. فمن الأشياء الرائعة في الإمارات، أنه صار بمقدور المواطن والمراقب التعرف على الخطوط العريضة للرؤية الاستراتيجية للدولة خلال العقود القادمة، حيث يعرف الجميع إلى أين تسير الإمارات. ولا شك أن هذه الأشياء ليست سهلة على الاستراتيجيين وصناع القرار في العالم. ربما لأن الأشياء لم تعد ثابتة، بل الملاحظة الأولى للعالم أن كل شيء متغير. لكن لا وجود لمثل هذه المشكلة في الإمارات، والسبب في ذلك وجود رؤية لمستقبل الدولة منذ نشأتها وإلى اليوم، رؤية هدفها إسعاد الإنسان. الفرق بين الإمارات وغيرها يكمن في القيادة. وبالمناسبة فإن أكبر مشكلة تواجهها دول العالم اليوم هي القيادة، قرأت ذات مرة أن هذه المشكلة تزداد في أوروبا. والقيادة كما تعرفها النظريات تتلخص في وجود رؤية للمستقبل يتم العمل على تحقيقها. ولو تتبعنا ما سيحصل في الإمارات إلى عام 2050 كما جاء في خطاب ولي عهد أبوظبي، سنتأكد أن هناك رؤية حقيقية. التحدي الأكبر للسياسيين في العالم، حسب ما تظهره التقارير العالمية، يكمن في إمكانية تحقيق السعادة للإنسان. ولعل هذا التحدي، ومن واقع التقارير الدولية، يكاد يختفي في الإمارات. ولو تتبعنا ما يطمح إليه الشيخ محمد بن زايد، وهو أحد الشخصيات الأكثر تأثيراً في العالم، نجد أن الإنسان الإماراتي قد وضحت له ملامح المستقبل وبالتالي عليه أن يكون أكثر عطاءً ووفاءً لوطنه. تعتبر اللقاءات السياسية الكبرى، كهذا الذي يختم أعماله اليوم، مناسبة لمعرفة الخطوط العريضة للقادة السياسيين، سواء نحو مستقبل بلادهم أو نحو التعامل مع التحديات المستقبلية. لكن مع شخصية مثل محمد بن زايد أعتقد أن الأمر مختلف، وذلك لأن الخطاب ليس الحالة الوحيدة التي تمكننا من تسجيل إنجازاته، فالكل يعرف كيف يفكر في بناء الإمارات وكيف يعمل من أجل تحقيق العيش الكريم لشعبه. وحتى أكون منصفاً، فإن الكلمة، رغم أنها مقتضبة، إلا أنها ساهمت في الإجابة عن الكثير من الأسئلة الحائرة للمراقب في الخارج، خاصة في مرحلة ما بعد النفط، وذلك عندما قال سموه: «لا نراهن في مستقبلنا على النفط». وأجاب سموه عن رهان مستقبل الإمارات في عاملين هما: الإنسان الإماراتي بدءاً من تلك الصورة التي عرضها للحضور للمغفور له بإذنه تعالى الشيخ زايد بن سلطان مؤسس الدولة وهو يساعد أبناءه في حفر «الفلج». ويراهن سموه أيضاً على تطوير التعليم في الإمارات. فمن خلال التجارب العالمية فإن هذين العنصرين هما الثابتان فقط بينما تتغير كل الأشياء الأخرى في مواجهة التحديات. الإمارات تخطط لأن تكون صانعة للمستقبل، ليس فقط في محيطها لإقليمي ولكن على مستوى العالم. وهي لا تسعى لأن تفرض على الآخرين طريقة بناء بلدانهم، لكنها تعمل كي تلهم من يريد إسعاد شعبه. أعتقد أن بعض الكلمات ستبقى خالدة في أذهان أبناء الإمارات باعتبارها «قناديل» تضيء الطريق حول كيف يكون الإخلاص في بناء الأوطان وكيف ينبغي أن تكون ثقة المسؤولين في قدرات أبناء الوطن. كما ستبقى بعضها محل تتبع ودراسة للمراقبين، خاصة الذين تتملكهم الهواجس حول مستقبل المنطقة بعد انتهاء عصر النفط، وكأنهم لا يدركون بأن «الخليج ليس نفطاً» فقط. الإمارات كغيرها من دول العالم تواجه تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية، لكن الفرق يكمن في طريقة إدارة تلك التحديات، وهنا تظهر سمات القيادة. تبدو كلمة الشيخ محمد بن زايد وكأنها حديقة من الأفكار الجميلة والأخبار المتفائلة التي تسعد الإنسان. وأخلص إلى أن هناك انطباعاً عاماً بأن أغلب الدول العربية تعمل بسياسة رد الفعل وليس سياسة المبادرة بالفعل، بينما الغرب وحده من يصنع الأحداث على الساحة الدولية. لكن هذه القاعدة كسرتها تجربة الإمارات، كما يتضح في الواقع وكما يتجلى من خلال كلمة سمو الشيخ محمد بن زايد.